183

تهذيب الآثار مسند عمر

محقق

محمود محمد شاكر

الناشر

مطبعة المدني

مكان النشر

القاهرة

تصانيف

، أَثَارَ الطَّيْرَ مِنْ أَوْكَارِهَا؛ لِيَنْظُرَ أَيَّ وَجْهٍ تَسْلُكُ، وَإِلَى أَيِّ نَاحِيَةٍ تَطِيرُ، فَإِنْ طَارَتْ ذَاتَ الْيَمِينِ خَرَجَ لِسَفَرِهِ وَمَضَى لِأَمْرِهِ، وَإِنْ أَخَذَتْ ذَاتَ الشِّمَالِ؛ رَجَعَ وَلَمْ يَمْضِ؛ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُقِرُّوهَا فِي أَمَاكِنِهَا، وَأَبْطَلَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ، كَمَا أَبْطَلَ الِاسْتِقْسَامَ بِالْأَزْلَامِ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: بَلْ هَذَا تَصْحِيفٌ مِنَ الرُّوَاةِ، وَخَطَأٌ مِنْهُمْ، وَلَا نَعْرِفُ الْمَكِنَاتِ إِلَّا اسْمًا لِبَيْضِ الضِّبَابِ دُونَ غَيْرِهَا. قَالُوا: وَنَرَى أَنَّ رَاوِيَ ذَلِكَ سَمِعَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «أَقِرُّوا الطَّيْرَ فِي وُكُنَاتِهَا»، بِالْوَاوِ. وَقَالُوا: وَوُكُنَاتُ الطَّيْرِ: مَوَاضِعُ عُشِّهَا، وَحَيْثُ تَسْقُطُ عَلَيْهِ مِنَ الشَّجَرِ وَتَأْوِي إِلَيْهِ. وَاسْتَشْهَدُوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِبَيْتِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ حُجْرٍ: [البحر الطويل] وَقَدْ أَغْتَدِي وَالطَّيْرُ فِي أُكُنَاتِهَا ... بِمُنْجَرِدٍ قَيْدِ الْأَوَابِدِ هَيْكَلِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَا قَالَ هَؤُلَاءِ. وَذَلِكَ أَنَّا إِنْ وَجَّهْنَا ذَلِكَ إِلَى مَا قَالَهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى مَكِنَاتِهَا أَمْكِنَتُهَا؛ خَرَجْنَا عَنِ الْمَعْرُوفِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ؛ وَذَلِكَ أَنَّا لَا نَعْلَمُ فِي كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْأَمْكِنَةِ: مَكِنَةٌ. وَإِنْ وَجَّهْنَاهُ إِلَى مَا قَالَهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَنَى بِالْمَكِنَاتِ بَيْضَهَا؛ دَخَلْنَا أَيْضًا فِي نَحْوِ الَّذِي أَنْكَرْنَا مِنَ الْخُرُوجِ عَنِ الْمَعْرُوفِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا تُعْرَفُ الْمَكِنَاتُ إِلَّا لِلضِّبَابِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَأَمَّا الطَّيْرُ فَلَمْ يُسْمَعْ بِالْمَكِنَاتِ

1 / 203