من صفات أهل الضلال والفسق
النميمة مصيبة من أعظم المصائب على المجتمعات الإسلامية، ولا يمكن أبدًا أن يحملها إلا رجلٌ لا خير فيه في الدنيا والآخرة، وقد بين الله ﷿ في كتابه العزيز أن هذه صفة من صفات الضلال والإضلال مع غيرها من المرادفات تجمعت في رجلٍ من كفار قريش اسمه: الوليد بن المغيرة، وهو من كفار قريش ومن زعمائهم ومن العتاة والصناديد الذين كانوا يردون ويصدون عن دين الله ﷿، سماه الله ﷿: «مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ» [القلم:١١] وبين الله فيه أيضًا من بعض صفاته أنه دعي، وأنه ابن زنا ولا أب له، قال ﷿: ﴿وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ﴾ [القلم:١٠] حلاف: يعني كثير الأيمان، يحلف على كل شيء: بلى والله، ولا والله، وإلا والله -أعوذ بالله- أين الله، ما بك تلعب بالأيمان وتتساهل بها، احفظوا أيمانكم، لا يجوز -يا أخي- أن تقسم بالله إلا إذا احتجت وفي ظرفٍ قاهر ونادر أما أن تحلف على كل شيء، خذ والله تشرب، عليك وجه الله أن تأخذه، عليك وجه الله أن تقوم -أعوذ بالله- بعضهم تجده -والعياذ بالله- واقع في هذه ولا يقيم لله وزنًا ﴿حَلَّافٍ مَهِينٍ﴾ [القلم:١٠] مهين: يعني: لا قيمة له، هين دنيء ﴿وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [القلم:١١] الهماز هو: الذي يغمز في الناس، إذا مر شخص وأنت جالس معه، قلت: من هذا؟ قال: هذا خبيث، ماذا فيه؟ قال: لو تعرف أهله وطبعهم.
هماز يعني: يبحث عن نقطة ضعف في كل مسلم ويغمز فيها، ولهذا قال الله: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ [الهمزة:١] يلمز ويهمز، يلمز: ينقل، ويهمز: يطعن في الناس، يشكك من قدرات الناس ويضعف من قيمة الناس، ويزعزع ذكر الناس في الآخرين، لا يريد أن يكون أحد حسنًا إلا هو، الناس كلهم غير طيبين ما عدا هو فهو طيب، وكل ما ذكر شخص فيه عيب قال: فلان الأعور، فلان الطويل، فلان القصير ذاك فلان المتين، فلان النحيف، فلان الأشدق، فلان الألتق فلان يذكر كل شخص بما فيه من عيب لا يستطيع أن يذكر الشيء الطيب فيه، لماذا؟ لأن منظاره أسود، وعينه قذرة لا تقع إلا على القذر، مثل الذباب؛ الذباب الآن أين يقع؟ لا يقع إلا على النجاسة، فالفاسق مثل الذباب إذا جلس يجلس على نجاسة، وإن أخذ أخذ نجاسة، وينقل عدوى، وإن جاء على مكان يؤذيه، بينما المؤمن كالنحلة، إن أكلت أكلت طيبًا وإن حملت حملت طيبًا، وإن وقعت على شيء أو عودٍ لم تكسره أو تخدشه، فالمؤمن كالنحلة والمنافق كالذباب.
فالله ﵎ يقول: ﴿وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [القلم:١٠-١١] يعني: ينقل الكلام بين الناس باستمرار يعني: ليس لديه عمل إلا النميمة: ﴿مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾ [القلم:١١-١٢] ليس عنده خير أبدًا، الخير عنده غير مأمون ﴿مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾ [القلم:١٢] وأيضًا يعتدي بلسانه وبعينه وبأذنه وبيده وبفرجه وبرجله وبكل وسيلة على الناس لا يترك أحدًا، وأيضًا أثيم؛ واقع في الجرائم والآثام، آثم يواري توحيد الله، معتدٍ أثيم، بعد ذلك عتل: متكبر متعجرف قلبه أقسى من الحجر لا يلين لكلام الله ولا يستمع موعظة ولا يحضر مسجدًا ولا يسمع عالمًا، عتل وبعد هذا، أي: فوق ذلك كله قال: زنيم، أي: ابن زنا لا أب له، لما نزلت هذه الآية وسمعها الوليد بن المغيرة جاء إلى أمه، وسل سيفه وقال: قد وصفني محمد بتسع صفات أما ثمان فوالله إني أعلمها أنه صادق أنها فيني -انظروا كافر لكن يعرف أن الوصف هذا كله فيه- قال: أما ثمان فوالله إني أعرف أنها فيني، وواحدة بقيت لا أدري والله إما أن تصدقيني أو لأذبحنك بهذا السيف، قالت: لا تذبحني إن أباك كان رجلًا عنينًا أي: لا ينتصب عضوه تقول: وخشيت أن ينقطع ذكره فذهبت يومًا مع الغنم إلى الراعي، وحملت بك، فأنت لست ابن أبيك ولكنك ابن الراعي، ونسبتك إلى أبيك، وبالرغم من هذا ما آمن لماذا؟ لأنه زنيم دعي -والعياذ بالله- ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ﴾ [القلم:١٣-١٤] لا تطعه ولو كان صاحب مالٍ وبنين؛ لأنه كان صاحب أموال طائلة وصاحب أبناء كثيرين وهو الذي قال: ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [سبأ:٣٥] فأنزل الله ﷿ قوله: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ [سبأ:٣٧] ﴿أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [القلم:١٤-١٥] هو الذي قال هذه الكلمة عليه من الله ما يستحق وعليه لعائن الله المتتابعة في الدنيا والآخرة، كان كلما سمع شيئًا يقول: هذه أساطير، أي: خرافات الأولين، قال الله: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ [القلم:١٦] الخرطوم هو: الأنف، ولا يعبر به على الإنسان إلا على سبيل الذم، لا يقال: خرطوم الرجل، أما إذا أردت أن تمدحه فتقول: صاحب الأنف؛ لأن الأنف مشتق من الأنفة ولذا فإنه أعز شيء في الإنسان، ولا يرضى الإنسان أن يضرب على أنفه، يود كل شخص أن يضرب في أي منطقة في جسده إلا في أنفه، ولا يمكن أن تهينها إلا لله ﷿ تسجد لله ﷿ على أنفك وعلى جبهتك تذللًا وخشوعًا وخضوعًا، فالله ﷿ عبر عن هذا الرجل بالخرطوم، وكانت المعارك زمانًا بالسيوف وكان يقول بعضهم: خَرْطَمه، يعني: ضربه على أنفه بالسيف أو بالجنبية وهذه أعظم مسبة عند العرب، أن يضرب الأنف، يقول الله قال: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ [القلم:١٦] أي: سنجعل لهذا الرجل علامة على خرطومه، وفعلًا كانت له علامة أوقعه أحد الصحابة في يوم بدرٍ أصابه وقطع أنفه -قطع خرطومه- فبقي أفلس ليس معه أنف، بوعد الله ﷿ ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ [القلم:١٦] لأنه كان يقول للنبي ﷺ: مجنون، والله يقول: ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ * فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ﴾ [القلم:٢-٥] يعني: في الآخرة ﴿بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [القلم:٦-٨] أي: الكفرة ﴿وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ﴾ [القلم:١٠] إلى آخر الآيات كما أسلفنا.
1 / 4