.. أما الشرط فى الآية ﴿إن ضللت﴾ فلا يقتضى الوقوع ولا الجواز، فالضلال لا يقع منه ﷺ، ولا يجوز أن يقع منه، لا قبل النبوة ولا بعدها، بمقتضى عصمة الله ﷿ له، ألا ترى كيف قال الله تعالى: ﴿لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم﴾ (١) والمعنى: لولا ما عصمناه ورحمناه، لأتى ما يذم عليه، على فرض الإمكان، لا على فرض الوقوع.
... وكذلك قوله تعالى: ﴿ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ﴾ (٢) والمعنى: لولا فضل الله عليك يا رسول الله، بالعصمة ورحمته إياك، لهمت طائفة منهم أن يضلوك، على فرض الإمكان، لا على فرض الوقوع، بدليل بقية الآية: ﴿وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ﴾ (٣) وقال تعالى: ﴿وإن كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا إليك لتفترى علينا غيره وإذًا لاتخذوك خليلًا﴾ فهذه الآية كسابقتها من جملة الآيات المادحة لرسول الله ﷺ، لا أنها من المتشابهات.
... ومعناها: "لولا وجود تثبيتنا إياك، لقد قاربت أن تميل إليهم شيئًا يسيرًا من أدنى الميل، لكن امتنع قرب ميلك وهواك لوجود عصمتنا وتثبيتنا إياك" (٤) .
... فتأمل كيف بدأ بثباته وسلامته بالعصمة، قبل ذكر ما عتبه عليه، وخيف أن يركن إليه، على فرض الإمكان لا على فرض الوقوع. وتأمل كيف جاء فى أثناء عتبه – إن كان ثم عتب – براءته ﷺ، وفى طى تخويفه تأمينه وكرامته صلوات الله وتسليمه عليه (٥) .
(١) الآية ٤٩ القلم.
(٢) الآية ١١٣ النساء.
(٣) ينظر: تنزيه الأنبياء لعلى السبتى ص١١٩.
(٤) شرح الشفا للقارى ١/٦٨ بتصرف يسير.
(٥) الشفا ١/٣٠، وينظر: شرح الزرقانى على المواهب ٩/٥١.
1 / 187