عار علينا وكلنا آمنون ناب الجوع أن ننسى اليوم الجائع في بلادنا، عار علينا أن يدعونا الغريب إلى إعانة وطننا المنكوب فلا نلبي الدعوة.
في كتاب جاءني من الوطن أن بين الأيدي الممدودة للاستنداء أكفا لم تتعود ذلك، فكيف بعامة الناس إذا؟ سوريا اليوم أخت البلجيك، أختها في الشدة والأسى، في الفاقة والجوع، فهل نسمع نداءها ساكتين، وفي عروقنا ينبض دم أجداد كرام، وفي صدورنا عاطفة بشرية حية؟
إن الكريم وإن كان فقيرا يقاسم الجائع كسرته. فكيف بالغني؟
لا نسألكم أن تقاسموا الوطن ثروتكم، إنما نسألكم بذل اليسير مما لديكم.
نسألكم أن تقتدوا بيوسف الصديق فتذكرون - في الأقل - الجائع، لا نطلب منكم اليوم اكتتابا باسم مشروع خيري أو نهضة وطنية، إنما نستحلفكم باسم الإنسانية أن تبرهنوا على أنكم من أبنائها، وبرهنوا للوطن أن العاطفة الوطنية لا تزال حية في صدوركم، وبرهنوا للأميركيين على أنكم أسرع منهم في إنقاذ إخوانكم من الجوع.
أجل، إن خير البر عاجله، وإن سادات الناس في الدنيا الأسخياء.
نيويورك، في 25 ك2، سنة 1915
صوم وإحسان
أمة تصوم أشهرا، أمة تجوع وتجوع، أمة غشت الدموع بصرها فأمست لا ترى غير يد القضاء وقد استل سيف النقمة أمة جمد الدم في عروقها، برد الدم في قلبها، فأمست لا تستطيع حتى النداء مستغيثة، مستجدية أمة تتلاشى سغبا، تموت جوعا، فريسة ظلم تواطأ والقضاء، ونحن من دمها ولحمها، من صميم قلبها من خيرة أبنائها، ناءون عن هول أولئك البرابرة وعن هول ذلك القضاء، آمنون شر الاثنين، راتعون في بحبوحة من العيش حريزة، في بلاد جزل خيرها، وعم اليوم برها، بل نحن في بلاد تقرأ علينا روح الغيرية فيها أمثولة جميلة كل يوم، أمثولة في نكران الذات، في الشفقة والإحسان، في الرحمة والحنان.
فهلا أخذنا عن تلك الروح روح الغيرية في الأميركيين وهلا سمعنا لها واقتدينا بها؟ هلا وقفنا على المنكوبين في بلادنا يوما واحدا من أيام عملنا؟ يوما واحدا نقدسه للوطن المهدد بالاضمحلال، يوما واحدا نجرد فيه أنفسنا من كل آمالنا المادية، من أغراضنا الدنيوية، من غرائزنا الحيوانية، من مهامنا التجارية والخصوصية كلها، يوما واحدا من نكران النفس والضحية، نتجه فيه نحو ذلك الوطن المنكوب وطننا، ولا نفكر فيه بغير إخواننا الذين يموتون اليوم جوعا.
صفحة غير معروفة