بسم اللَّه الرحمن الرحيم
الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية المتعزز بعظمة الربوبية القائم على نفوس العالم بآجالها والعالم بتقلبها وأحوالها المان عليهم بتواتر آلائه المتفضل عليهم بسوابغ نعمائه الذي أنشأ الخلق حين أراد بلا معين ولا مشير وخلق البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير فمضت فيهم بقدرته مشيئته ونفذت فيهم بعزته إرادته فألهمهم حسن الإطلاق وركب فيهم تشعب الأخلاق فهم على طبقات أقدارهم يمشون وعلى تشعب أخلاقهم يدورون وفيما قضى وقدر عليهم يهيمون و(٢٣ ٥٣ ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾)
وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر السموات العلا ومنشيء الأرضين والثرى لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه (٢١ ٢٣ ﴿لا يُسْأَلُ عما يفعل وهم يسألون﴾)
وأشهد أن محمدا عبده المجتبى ورسوله المرتضى بعثه بالنور المضي والأمر المرضي على حين فترة من الرسل ودروس من السبل فدمغ به الطغيان وأكمل به الإيمان وأظهره على كل الأديان وقمع به أهل الأوثان ف ﷺ مَا دار في السماء فلك وما سبح في الملكوت ملك وعلى آله أجمعين ٠
أما بعد فإن الزمان قد تبين للعاقل تغيره ولاح للبيب تبدله حيث يبس ضرعه بعد الغزارة وذبل فرعه بعد النضارة ونحل عوده بعد الرطوبة وبشع مذاقه بعد العذوبة فنبع فيه أقوام يدعون التمكن من العقل باستعمال ضد مَا يوجب العقل من شهوات صدورهم وترك مَا يوجبه نفس العقل بهجسات
1 / 14
قلوبهم جعلوا أساس العقل الذي يعقدون عَلَيْهِ عند المعضلات النفاق والمداهنة وفروعه عند ورود النائبات حسن اللباس والفصاحة وزعموا أن من أحكم هذه الأشياء الأربع فهو العاقل الذي يجب الاقتداء به ومن تخلف عَن إحكامها فهو الأنوك الذي يجب الإزورار عنه ٠
فلما رأيت الرعاع من العالم يغترون بأفعالهم والهمج من الناس يقتدون بأمثالهم دعاني ذلك إلى تصنيف كتاب خفيف يشتمل متضمنه على معنى لطيف مما يحتاج إليه العقلاء في أيامهم من معرفة الأحوال في أوقاتهم ليكون كالتذكرة لدوي الحجى عند حضرتهم وكالمعين لأولى النهى عند غيبتهم يفوق العالم به أقارنه والحافظ له أترابه يكون النديم الصادق للعاقل في الخلوات والمؤنس الحافظ له في الفلوات إن خص به من يجب من إخوانه لم يفتقده من ديوانه وإن استبد به دون أوليائه فاق به على نظرائه ٠
أبين فيه مَا يحسن للعاقل استعماله من الخصال المحمودة ويقبح به إتيانه من الخلال المذمومة مع القصد في لزوم الاقتصار وترك الإمعان في الإكثار ليخف على حامله وتعيه أذن مستمعه لأن فنون الأخبار وأنواع الأشعار إذا استقصى المجتهد في إطالتها فليس يرجو النهاية إلى غايتها ومن لم يرج التمكن من الكمال في الإكثار كان حقيقا أن يقنع بالاختصار ٠
والله الموفق للسداد والهادي إلى الرشاد وإياه أسأل إصلاح بالأسرار وترك المعاقبة على الأوزار إنه جواد كريم رءوف رحيم ٠
1 / 15
ذكر الحث على لزوم العقل وصفة العاقل اللبيب
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مَطَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَبُّوَيْهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا
قال أَبُو حاتم لست أحفظ عَن النَّبِيّ ﷺ خبرا صحيحا في العقل لأن أبان بن أبي عياش وسلمة بْن وردان وعمير بن عمران وعلي ابن زيد والحسن بْن دينار وعباد بن كثير ومسيرة بن عبد ربه وداود ابن المحبر ومنصور بن صفر وذويهم ليسوا ممن أحتج بأخبارهم فأخرج مَا عندهم من الأحاديث في العقل ٠
وإن محبة المرء المكارم من الأخلاق وكراهته سفسافها هو نفس العقل ٠ فالعقل به يكون الحظ ويؤنس الغربة وينفي الفاقة ولا مال أفضل منه ولا يتم دين أحد حتى يتم عقله ٠
والعقل اسم يقع على المعرفة بسلوك الصواب والعلم باجتناب الخطأ فإذا كان المرء في أول درجته يسمى أديبا ثم أريبا ثم لبيبا ثم عاقلا كما أن الرجل إذا دخل في أول حد الدهاء قِيلَ له شيطان فإذا عتا في الطغيان قِيلَ مارد فإذا زاد على ذلك قِيلَ عبقري فإذا جمع إلى خبثه شدة شر قِيلَ عفريت
1 / 16
وكذلك الجاهل يقال له في أول درجته المائق ثم الرقيع ثم الأنوك ثم الأحمق ٠
وأفضل مواهب اللَّه لعباده العقل ولقد أحسن الذي يقول ... وأفضل قسم اللَّه للمرء عقله ... فليس من الخيرات شيء يقاربه
إذا أكمل الرحمن للمرء عقله ... فقد كملت أخلاقه ومآربه
يعيش الفتى في الناس بالعقل إنه ... على العقل يجري علمه وتجاربه
يزيد الفتى في الناس جودة عقله ... وإن كان محظورا عَلَيْهِ مكاسبه ...
أخبرنا مُحَمَّد بْن سليمان بْن فارس حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن سيار حَدَّثَنَا حبيب الجلاب قَالَ قِيلَ لابن المبارك مَا خير مَا أعطى الرجل قَالَ غريزة عقل قِيلَ فإن لم يكن قَالَ أدب حسن قِيلَ فإن لم يكن قَالَ أخ صالح يستشيره قِيلَ فإن لم يكن قَالَ صمت طويل قِيلَ فإن لم يكن قَالَ موت عاجل
أخبرنا مُحَمَّد بْن داود الرازي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حميد حَدَّثَنَا ابن المبارك قَالَ سئل عقيل مَا أفضل مَا أعطي العبد قَالَ غريزة عقل قَالَ فإن لم يكن قَالَ فأدب حسن قَالَ فإن لم يكن قَالَ فأخ شقيق يستشيره قال فإن لم يكون فطول الصمت قَالَ فإن لم يكن قَالَ فموت عاجل
قال أَبُو حاتم العقل نوعان مطبوع ومسموع فالمطبوع منهما كالأرض والمسموع كالبذر والماء ولا سبيل للعقل المطبوع أن يخلص له عمل محصول دون أن يرد عَلَيْهِ العقل المسموع فينبهه من رقدته ويطلقه من مكامنه يستخرج البذر والماء مَا في قعور الأرض من كثرة الربع
فالعقل الطبيعي من باطن الإنسان بموضع عروق الشجرة من الأرض والعقل المسموع من ظاهره كتدلي ثمرة الشجرة من فروعها ٠ أنشدني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن حبيب الواسطي
1 / 17
.. رأيت العقل نوعين ... فمطبوع ومسموع
ولا ينفع المسموع ... إذا لم يك مطبوع
كما لا تنفع الشمس ... وضوء العين ممنوع ...
أخبرنا القطان بالرقة حَدَّثَنَا موسى بْن مروان حَدَّثَنَا بقية عَن عَبْد اللَّه بْن حسان حدثني ابن عامر قَالَ قلت لعطاء بْن أَبِي رباح يا أبا مُحَمَّد مَا أفضل مَا أعطي العبد قَالَ العقل عَن الله
أنشدني أحمد بن عبد الله الصنعاني لعبد اللَّه بْن عكراش ... يزين الفتى في الناس صحة عقله ... وإن كان محظورا عَلَيْهِ مكاسبه
يشين الفتى في الناس خفة عقله ... وإن كرمت أعراقه ومناسبه ...
قال أَبُو حاتم فالواجب على العاقل أن يكون بما أحيا عقله من الحكمة أكلف منه بما أحيا جسده من القوت لأن قوت الأجساد المطاعم وقوت العقل الحكم فكما أن الأجساد تموت عند فقد الطعام والشراب وكذلك العقول إذا فقدت قوتها من الحكمة ماتت ٠
والتقلب في الأمصار والاعتبار بخلق اللَّه مما يزيد المرء عقلا وإن عدم المال في تقلبه ٠
أنشدني عَبْد الرحمن بْن مُحَمَّد المقاتلي ... إن ذا العقل يرى غنما له ... عدم المال إذا مَا العقل صح
ما على المرء بعدم سبة ... إن وفا العقل وإن دين صلح ...
أخبرنا مُحَمَّد بْن المسيب حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْمَاعِيل المدني قَالَ سمعت حاتم ابن إِسْمَاعِيل يقول مَا استودع اللَّه عقلا عبدا إلا استنقذه به يوما مَا قال أَبُو حاتم العقل دواء القلوب ومطية المجتهدين وبذر حراثة الآخرة
1 / 18
وتاج المؤمن في الدنيا وعدته في وقوع النوائب ومن عدم العقل لم يزده السلطان عزا ولا المال يرفعه قدرا ولا عقل لمن أغفله عَن أخراه مَا يجد من لذة دنياه فكما أن أشد الزمانة الجهل كذلك أشد الفاقة عدم العقل
والعقل والهوى متعاديان فالواجب على المرء أن يكون لرأيه مسعفا ولهواه مسوفا فإذ اشتبه عَلَيْهِ أمران اجتنب أقربهما من هواه لأن في مجانبته الهوى إصلاح السرائر وبالعقل تصلح الضمائر ٠
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ ثَنَا ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبيد الله الجشمى حدثنا المداينى قَالَ قَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ لِرَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ عَمَّرَ دَهْرًا أَخْبِرْنِي بِأَحْسَنِ شَيْءٍ رَأَيْتَهُ قَالَ عَقْلٌ طُلِبَ بِهِ مُرُوءَةٌ مَعَ تَقْوَى اللَّهِ وَطَلَبِ الآخِرَةِ
وأنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان الأبرش ... إذا تم عقل المرء تمت أموره ... وتمت أياديه وتم بناوه
فإن لم يكن عقل تبين نقصه ... ولو كان ذا مال كثيرا عطاؤه ...
أخبرنا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا أَبُو كامل الجحدري حَدَّثَنَا عمران بْن خالد الخزاعي قَالَ سمعت الحسن يقول مَا تم دين عَبْد قط حتى يتم عقله قال أَبُو حاتم أفضل ذوي العقول منزلة أدومهم لنفسه محاسبة وأقلهم عنها فترة
فبالعقل تعمر القلوب كما أن بالعلم تستخرج الأحلام وعمود السعادة العقل ورأس الاختيار ولو صور العقل صورة لأظلمت معه الشمس لنوره فقرب العاقل مرجو خيره على كل حال كما أن قرب الجاهل مخوف شره على كل حال ٠
1 / 19
ولا يجب للعاقل أن يغتم لأن الغم لا ينفع وكثرته تزري بالعقل ولا أن يحزن لأن الحزن لا يرد المرزئة ودوامه ينقص العقل
والعاقل يحسم الداء قبل أن يبتلى به ويدفع الأمر قبل أن يقع فيه فإذا وقع فيه رَضِيَ وصبر والعاقل لا يخيف أحدا أبدا مَا استطاع ولا يقيم على خوف وهو يجد منه مذهبا وإذا خاف على نفسه الهوان طابت نفسه عما يملك من الطارف والتالد مع لزوم العفاف إذ هو قطب شعب العقل
أنشدني المنتصر بْن بلال بْن المنتصر الأنصاري ... أولست تأمر بالعفاف وبالتقى ... وإليه آل الأمر حين يؤول
فإن استطعت فخذ بعقلك فضله ... إن العقول يرى لها تفضيل ...
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ الأَصْبَهَانِيُّ بِالْكَرَجِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الطَّاحِيُّ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الْخَزَّازُ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنَا مُفَضَّلُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ عَلِيٌّ لَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ أَتَاهُ جَبْرِيلُ فَقَالَ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أُخَيِّرَكَ في ثلاثة فَاخْتَرْ وَاحِدَةً وَدَعِ اثْنَتَيْنِ فَقَالَ آدم وما الثلاث فقال الْحَيَاءُ وَالدِّينُ وَالْعَقْلُ فَقَالَ آدَمُ فَإِنِّي قَدِ اخْتَرْتُ الْعَقْلَ قَالَ فَقَالَ جِبْرِيلُ لِلْحَيَاءِ وَالدِّينِ انْصَرِفَا وَدَعَاهُ فَقَالا إِنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَكُونَ مَعَ الْعَقْلِ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ عَرَجَ جِبْرِيلُ وَقَالَ شَأْنَكُمْ
قال أَبُو حاتم من حسن عقله وقبح وجهه فقد أفقد فضائل نفسه قبائح وجهه ومن حسن وجهه وقل عقله فقد أذهب محاسن وجهه نقائص نفسه فلا يجب للعاقل أن يغتم إذا كان معدما لأن العاقل قد يرجى له الغنى ولا يوثق للجاهل المكثر ببقاء ماله ومال العاقل عقله وما قدم من صالح عمله
1 / 20
وآفة العقل الصلف والبلاء المردي والرخاء المفرط لأن البلايا إذا تواترت عَلَيْهِ أهلكت عقله والرخاء إذا تواتر عَلَيْهِ أبطره والعدو العاقل خير للمرء من الصديق الجاهل ٠
أنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... عدوك ذو العقل أبقى عليك ... من الجاهل الوامق الأحمق
وذو العقل يأتي جميل الأمور ويقصد للأرشد الأرفق ...
أخبرنا مُحَمَّد بْن الحسين بْن قتيبة بعسقلان حَدَّثَنَا ابن أَبِي السري حَدَّثَنَا داود بْن الجراح وضمرة بْن ربيعة عَن خليد بْن دعلج قال سمعت معاوية ابن قرة يقول إن القوم ليحجون ويعتمرون ويجاهدون ويصلون ويصومون وما يعطون يوم القيامة إلا على قدر عقولهم
سمعت مُحَمَّد بْن محمود بن عدي النسائي يقول سمعت علي بْن خشرم يقول سمعت حفص بْن حميد الأكاف يقول العاقل لا يغبن والورع لا يغبن
قال أَبُو حاتم هذه لفظة جامعة تشتمل على معان شتى فكما لا ينفع الاجتهاد بغير توفيق ولا الجمال بغير حلاوة ولا السرور بغير أمن كذلك لا ينفع العقل بغير ورع ولا الحفظ بغير عمل وكما أن السرور تبع للأمن والقرابة تبع للمودة كذلك المروءات كلها تبع للعقل
وعقول كل قوم على قدر زمانهم فالعاقل يختار من العمر أحسنه وإن قل فإنه خير من الحياة النكدة وإن طالت والعقل الموعى غير المنتفع به كالأرض الطيبة الخراب ٠
والعاقل لا يبتدىء الكلام إلا أن يسأل ولا يكثر التماري إلا عند القبول ولا يسرع الجواب إلا عند التثبت ٠
1 / 21
والعاقل لا يستحقر أحدا لأن من استحقر السلطان أفسد دنياه ومن استحقر الأتقياء أهلك دينه ومن استحقر الإخوان أفنى مروءته ومن استحقر العام أذهب صيانته ٠
والعاقل لا يخفى عَلَيْهِ عيب نفسه لأن من خفي عَلَيْهِ عيب نفسه خفيت عَلَيْهِ محاسن غيره وإن من أشد العقوبة للمرء أن يخفى عَلَيْهِ عيبه لأنه ليس بمقلع عَن عيبه من لم يعرفه وليس بنائل محاسن الناس من لم يعرفها وما أنفع التجارب للمبتدى ٠
أنشدني المنتصر بْن بلال بْن المنتصر الأنصاري ... ألم تر أن العقل زين لأهله ... وأن كمال العقل طول التجارب
وقد وعظ الماضي من الدهر ذا النهى ... ويزداد في أيامه بالتجارب ...
أخبرنا الحسن بْن سُفْيَان حَدَّثَنَا عثمان بْن أبى شيبة حَدَّثَنَا جرير عن الحكم ابن عَبْد اللَّه قَالَ كانت العرب تقول العقل التجارب والحزم سوء الظن
قال أَبُو حاتم لا يكون المرء بالمصيب في الأشياء حتى تكون له خبرة بالتجارب
والعاقل يكون حسن المأخذ في صغره صحيح الاعتبار في صباه حسن العفة عند إدراكه رَضِيَ الشمائل في شبابه ذا الرأي والحزم في كهولته يضع نفسه دون غايته برتوة ثم يجعل لنفسه غاية يقف عندها لأن من جاوز الغاية في كل شئ صار إلى النقص ٠
ولا ينفع العقل إلا بالاستعمال كما لا تنفع الأعوان إلا عند الفرصة ولا ينفع الرأي إلا بالإنتخال كما لا تتم الفرصة إلا بحضور الأعوان ٠
ومن لم يكن عقله أغلب خصال الخير عَلَيْهِ أخاف أن يكون حتفه في أقرب الأشياء إليه ٠
1 / 22
ورأس العقل المعرفة بما يمكن كونه قبل أن يكون
والواجب على العاقل أن يجتنب أشياء ثلاثة فإنها أسرع في إفساد العقل من النار في يبيس العوسج الاستغراق في الضحك وكثرة التمني وسوء التثبت لأن العاقل لا يتكلف مالا يطيق ولا يسعى إلا لما يدرك ولا يعد إلا بما يقدر عَلَيْهِ ولا ينفق إلا بقدر مَا يستفيد ولا يطلب من الجزاء إلا بقدر مَا عنده من الغناء ولا يفرح بما نال إلا بما أجدى عَلَيْهِ نفعه منه ٠
والعاقل يبذل لصديقه نفسه وماله ولمعرفته رفده ومحضره ولعدوه عدله وبره وللعامة بشره وتحيته ولا يستعين إلا بمن يحب أن يظفر بحاجته ولا يحدث إلا من يرى حديثه مغنما إلا أن يغلبه الاضطرار عَلَيْهِ ولا يدعي مَا يحسن من العلم لأن فضائل الرجال ليست مَا ادعوها ولكن مَا نسبها الناس إليهم ولا يبالي مَا فاته من حطام الدنيا مع مَا رزق من الحظ في العقل ٠
أنشدني عَبْد الرحمن بْن مُحَمَّد المقاتلي ... فمن كان ذا عقل ولم يك ذا غنى ... يكون كذي رجل وليست له نعل
ومن كان ذا مال ولم يك ذا حجى ... يكون كذي نعل وليست له رجل ...
قال أَبُو حاتم كفى بالعاقل فضلا وإن عدم المال بأن تصرف مساوى أعماله إلى المحاسن فتجعل البلادة منه حلما والمكر عقلا والهذر بلاغة والحدة ذكاء والعي صمتا والعقوبة تأديبا والجرأة عزما والجبن تأنيا والإسراف جودا والإمساك تقديرا فلا تكاد ترى عاقلا إلا موقرا للرؤساء ناصحا للأقران مواتيا للإخوان متحرزا من الأعداء غير حاسد للأصحاب ولا مخادع للأحباب ولا يتحرش بالأشرار ولا يبخل في الغنى ولا يشره في الفاقه ولا ينقاد للهوى ولا يجمح في الغضب ولا يمرح في الولاية ولا يتمنى مالا يجد ولا يكتنز إذا وجد ولا يدخل في دعوى ولا يشارك في مراء
1 / 23
ولا يدلي بحجة حتى يرى قاضيا ولا يشكو الوجع إلا عند من يرجو عنده البرء ولا يمدح أحدا إلا بما فيه لأن من مدح رجلا بما ليس فيه فقد بالغ في هجائه ومن قبل المدح بما لم يفعله فقد استهدف للسخرية ٠
والعاقل يكرم على غير مال كالأسد يهاب وإن كان رابضا وكلام العاقل يعتدل كاعتدال جسد الصحيح وكلام الجاهل يتناقض كاختلاط جسد المريض
وكلام العاقل وإن كان نزرا حظوة عظيمة كما أن مقارفة المأثم وإن كان نزرا مصيبة جليلة
ومن العقل التثبت في كل عمل قبل الدخول فيه
وآفة العقل العجب بل على العاقل أن يوطن نفسه على الصبر على جار السوء وعشير السوء وجليس السوء فإن ذلك مما لا يخطيه على ممر الأيام ٠
ولا يجب للعاقل أن يحب أن يسمى به لأن من عرف بالدهاء حذر ومن عقل العاقل دفن عقله مَا استطاع لأن البذر وإن خفي في الأرض أياما فإنه لا بد ظاهر في أوانه وكذلك العاقل لا يخفى عقله وإن أخفى ذلك جهده ٠
وأول تمكن المرء من مكارم الأخلاق هو لزوم العقل
أنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... إن المكارم أبواب مصنفة ... فالعقل أولها والصمت ثانيها
والعلم ثالثها والحلم رابعها ... والجود خامسها والصدق ساديها
والصبر سابعها والشكر ثامنها ... واللين تاسعها والصدق عاشيها ...
أخبرنا عمر بْن عَبْد اللَّه بن عمر الهجرى بالأبلة حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن خبيق حَدَّثَنَا موسى بْن طريف قَالَ شعيب بْن حرب قَالَ لي شعبة عقولنا قليلة فإذا جلسنا مع من هو أقل عقلا منا ذهب ذلك القليل وإني لأرى الرجل يجلس
1 / 24
مع من هو أقل عقلا منه فأمقته
قال أَبُو حاتم أول خصال الخير للمرء في الدنيا العقل وهو من أفضل مَا وهب اللَّه لعباده فلا يجب أن يدنس نعمة اللَّه بمجالسة من هو بضدها قائم
والواجب على العاقل أن يكون حسن السمت طويل الصمت فإن ذلك من أخلاق الأنبياء كما أن سوء السمت وترك الصمت من شيم الأشقياء ٠ والعاقل لا يطول أمله لأن من قوى أمله ضعف عمله ومن أتاه أجله لم ينفعه أمله
والعاقل لا يقاتل من غير عدة ولا يخاصم بغير حجة ولا يصارع بغير قوة لأن بالعقل تحيا النفوس وتنور القلوب وتمضي الأمور وتعمر الدنيا
والعاقل يقيس مَا لم ير من الدنيا بما قد رأى ويضيف مالم يسمع منها إلى مَا قد سمع وما لم يصب منها إلى مَا قد أصاب وما بقي من عمره بما فني وما لم ينل منها بما قد أوتي ولا يتكل على المال وإن كان في تمام الحال لأن المال يحل ويرتحل والعقل يقيم ولا يبرح ولو أن العقل شجرة لكانت من أحسن الشجر كما أن الصبر لو كان ثمرة لكان من أكرم الثمر ٠
والذي يزداد به العاقل من نماء عقله هو التقرب من أشكاله والتباعد من أضداده ٠
ولقد أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن المهاجر المعدل حَدَّثَنَا أَبُو جعفر ابن ابنة أَبِي سَعِيد الثعلبي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أبى مالك الغزي قَالَ سمعت أَبِي يقول جالسوا الألباء أصدقاء كانوا أو أعداء فإن العقول تلقح العقول
قال أَبُو حاتم مجالسة العقلاء لا تخلو من أحد معنيين إما تذكر الحالة
1 / 25
التي يحتاج العاقل إلى الانتباه لها أو الإفادة بالشيء الخطير الذي يحتاج الجاهل الى معرفتها ٠
فقرب العاقل غنم لأشكاله وعبرة لأضداده على الأحوال كلها ولا يجب لمن تسمى به أن يتدلل إلا على من يحتمل دلاله ويقبل إلا على من يحب إقباله ولو كان للعقل أبوان لكان أحدهما الصبر والأخر التثبت ٠
جعلنا اللَّه ممن ركب فيه حسن وجود العقل فسلك بتمام النعم مسلك الخصال التي تقربه الى ربه في داري الأمد والأبد إنه الفعال لما يريد ٠
ذكر إصلاح السرائر للزوم تقوى الله
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ زُهَيْرٍ بِتُسْتَرَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ حدثنا مؤمل ابن إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زِيَادِ بْنِ عَلاقَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا كَرِهَ اللَّهُ مِنْكَ شَيْئًا فَلَا تَفْعَلْهُ إِذَا خَلَوْتَ
قال أَبُو حاتم الواجب على العاقل الحازم أن يعلم أن للعقل شعبا من المأمورات والمزجورات لا بد له من معرفتها واستعمالها في أوقاتها لمباينة العام وأوباش الناس بها ٠
وإني ذاكر في هذا الكتاب إن اللَّه قضى ذلك وشاءه خمسين شعبة من شعب العقل من المأمورات والمزجورات ليكون الكتاب مشتملا على خمسين بابا بناء كل باب منها على سنة رَسُول اللَّه ﷺ ثم نتكلم في عقيب كل سنة منها بحسب مَا يمن اللَّه به من التوفيق لذلك إن شاء اللَّه ٠
فأول شعب العقل هو لزوم تقوى اللَّه وإصلاح السريرة لأن من صلح جوانيه أصلح اللَّه برانيه ومن فسد جوانيه أفسد اللَّه برانيه ٠
ولقد أحسن الذي يقول ... إذا مَا خلوت الدهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن اللَّه يغفل ساعة ... ولا أن مَا يخفى عَلَيْهِ يغيب ...
1 / 26
.. ألم تر أن اليوم أسرع ذاهب ... وأن غدا للناظرين قريب ...
أخبرنا عَبْد اللَّه بْن محمود بْن سليمان السعدي حَدَّثَنَا شعبة بْن هبيرة حَدَّثَنَا جعفر بْن سليمان عَن مالك بْن دينار قَالَ اتخذ طاعة اللَّه تجارة تأتك الأرباح من غير بضاعة ٠
قال أَبُو حاتم قطب الطاعات للمرء في الدنيا هو إصلاح السرائر وترك إفساد الضمائر
والواجب على العاقل الاهتمام بإصلاح سريرته والقيام بحراسة قلبه عند إقباله وإدباره وحركته وسكونه لأن تكدر الأوقات وتنغص اللذات لا يكون إلا عند فساده
ولو لم يكن لإصلاح السرائر سبب يؤدي العاقل إلى استعماله إلا إظهار اللَّه عَلَيْهِ كيفية سريرته خيرا كان أو شرا لكان الواجب عَلَيْهِ قلة الإغضاء عَن تعاهدها
أنشدني عَبْد العزيز بْن سليمان الأبرش ... يلبس اللَّه في العلانية العبد ... الذي كان يختفي في السريره
حسنا كان أو قبيحا سيبدى ... كل مَا كان ثم من كل سيره
فاستح اللَّه أن ترائى للناس ... فإن الرياء بئس الذخيره ...
أخبرنا أَبُو يعلى حَدَّثَنَا شريح بْن يونس حَدَّثَنَا عبيدة بْن حميد عَن منصور عَن عطاء بْن أبى رباح عَن أبيه قَالَ قَالَ كعب والذي فلق البحر لبني إسرائيل إني لأجد في التوراة مكتوبا يا بن آدم اتق ربك وصل رحمك وبر والديك يمد لك في عمرك وييسرلك يسرك ويصرف عنك عسرك ٠
حدثنا مُحَمَّد بْن سليمان بْن فارس حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن علي الشقيقي حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا جعفر بْن سليمان الضبعي عَن مالك بْن دينار قَالَ إن القلب إذا لم يكن
1 / 27
فيه حزن خرب كما يخرب البيت إذا لم يكن فيه ساكن وإن قلوب الأبرار تغلي بأعمال البر وإن قلوب الفجار تغلي بأعمال الفجور والله يرى همومكم فانظروا مَا همومكم رحمكم الله ٠
أنشدني محمد بن مبد اللَّه بْن زنجي البغدادي ... وإذا أعلنت أمرا حسنا ... فليكن أحسن منه مَا تسر
فمسر الخير موسوم به ... ومسر الشر موسوم بشر ...
أخبرنا أَبُو يعلى حَدَّثَنَا شريح بْن يونس حَدَّثَنَا أَبُو معاوية عَن الأعمش عَن إِبْرَاهِيم قَالَ إن الرجل ليتكلم بالكلام ينوي فيه الخير فيلقي اللَّه في قلوب العباد حتى يقولوا مَا أراد بكلامه هذا إلا الخير وإن الرجل ليتكلم بالكلام الشر لا ينوى فيه الخير فيلقى اللَّه في قلوب الناس حتى يقولوا مَا أراد بكلامه هذا إلا الشر ٠
حدثنا محمد بن عمر الهمداني حدثنا القطواني حدثنا سيار حَدَّثَنَا حماد بْن زيد عَن أيوب قَالَ سمعت الحسن يقول إنكم وقوف ها هنا تنتظرون آجالكم وعند الموت تلقون الخبر فخذوا مما عندكم لما بعدكم
قال أَبُو حاتم الواجب على العاقل أن يأخذ مما عنده لما بعده من التقوى والعمل الصالح بإصلاح السريرة ونفي الفساد عَن خلل الطاعات عند إجابة القلب وإبائه فإذا كان صحة السبيل في إقباله موجودا أنفذه بأعضائه وإن كان عدم وجوده موجودا كبحه عنها لأن بصفاء القلب تصفو الأعضاء ٠
وأنشدني المنتصر بْن بلال بْن المنتصر الأنصاري ... وإن امرأ لم يصف لله قلبه ... لفي وحشة من كل نظرة ناظر
وإن امرأ لم يرتحل ببضاعة ... إلى داره الأخرى فليس بتاجر
وإن امرأ ابتاع دنيا بدينه ... لمنقلب منها بصفقة خاسر ...
أخبرنا أَحْمَد بْن الحسين بْن عَبْد الجبار الصوفي ببغداد حَدَّثَنَا أَبُو نصر التمار
1 / 28
حَدَّثَنَا أَبُو الأشهب عَن خالد الربعي قَالَ كان لقمان عبدا حبشيا نجارا فأمره سيده أن يذبح شاة فذبح شاة فقال ائتني بأطيب مضغتين في الشاة فأتاه باللسان والقلب ثم مكث أياما فقال اذبح شاة فذبح شاة فقال ائتنى بأخبث مضغتين في الشاة فألقى إليه اللسان والقلب فقال له سيده قلت لك حين ذبحت ائتنى بأطيب مضغتين فأتيتني باللسان والقلب ثم قلت لك الآن حين ذبحت الشاة أئتنى بأخبث مضغتين في الشاة فألقيت اللسان والقلب فقال إنه لا أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا
وأنشدني منصور بْن مُحَمَّد الكريزي ... وما المرء إلا قلبه ولسانه ... إذا حصلت أخباره ومداخله
إذا مَا رداء المرء لم يك طاهرا ... فهيهات أن ينقيه بالماء غاسله
وما كل من تخشى ينالك شره ... وما كل مَا أملته أنت نائله ...
أخبرنا أَحْمَد بْن عيسى بن السكبن بواسط حَدَّثَنَا عَبْد الحميد بْن مُحَمَّد بْن مستام حَدَّثَنَا مخلد بْن يزيد حَدَّثَنَا صالح بْن حسان المؤذن قَالَ دخلت على عمر ابن عَبْد العزيز فسمعته يقول لا يتقي اللَّه عَبْد حتى يجد طعم الذل
قال أَبُو حاتم العاقل يفتش قلبه في ورود الأوقات ويكبح نفسه عَن جميع المزجورات ويأخذها بالقيام في أنواع المأمورات ولزوم الانتباه عند ورود الفترة في الحالات ولا يكون المرء يشاهد مَا قلنا قائما حتى يوجد منه صحة التثبت في الأفعال ٠
أنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي ... وإذا بحثت عَن التقي وجدته ... رجلا يصدق قوله بفعال
وإذا اتقى اللَّه امرؤ وأطاعه ... فيداه بين مكارم ومعال
وعلى التقي إذا تراسخ في التقى ... تاجان تاج سكينة وجمال
وإذا تناسبت الرجال فما أرى ... نسبا يكون كصالح الأعمال ...
1 / 29
أخبرنا القطان بالرقة حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن رومي البزاز عَن أبيه قَالَ قلما دخلت على إِسْحَاق بْن أَبِي ربعي الرافقي إلا وهو يتمثل بهذا البيت ... خير من المال والأيام مقبلة ... جيب نقي من الآثام والدنس ...
أخبرنا محمد بن عبد الله بْن الجنيد حَدَّثَنَا عَبْد الوارث بْن عُبَيْد اللَّه عَن عَبْد اللَّه أَخْبَرَنَا الربيع عَن الحسن قَالَ أفضل العمل الورع والتفكر ٠
قال أَبُو حاتم العاقل يدبر أحواله بصخة الورع ويمضى لسانه بلزوم التقوى لأن ذلك أول شعب العقل وليس إليه سبيل إلا بصلاح القلب
ومثل قلب العاقل إذا لزم رعاية العقل على مَا نذكرها في كتابنا هذا إن اللَّه قضى ذلك وشاءه كأن قلبه شرح بسكاكين التقية ثم ملح بملح الخشية ثم جفف برياح العظمة ثم أحيي بماء القربة فلا يوجد فيه إلا مَا يرضي المولى جل وعلا ولا يبالي المرء إذا كان بهذا النعت أن يتضع عند الناس ومحال أن يكون ذلك أبدا ٠
سمعت أَحْمَد بن موسى بواسط يقول وجد (ت) على خف عطاء السلمي مكتوبا وكان حائكا ... ألا إنما التقوى هو العز والكرم ... وفخرك بالدنيا هو الذل والعدم
وليس على عَبْد تقي نقيصة ... إذا صحح التقوى وإن حاك أو حجم ...
أخبرنا مُحَمَّد بْن زنجويه القشيري حَدَّثَنَا عمرو بْن علي حَدَّثَنَا طريف بْن سَعِيد حَدَّثَنَا القاسم بْن عَبْد اللَّه الأنصاري عَن مُحَمَّد بْن علي بْن حسين قَالَ إذا بلغ الرجل أربعين سنة ناداه مناد من السماء دنا الرحيل فأعد زادا ٠
وأنشدني عَبْد العزيز بن سليمان الأبراش ... إذا انتسب الناس كان التقي ... بتقواه أفضل من ينتسب
ومن يتقى اللَّه يكسب به ... من الحظ أفضل مَا يكتسب
ومن يتخذ سببا للنجاة ... فإن تقى اللَّه خير السبب ...
1 / 30
وأنشدني أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الصنعاني لابن عكراش ... ومهما يسر المرء يبد لربه ... وما ينسه الإنسان لا ينسى كاتبه
ومن كان غلابا بجهد ونجدة ... فذو الحظ في أمر المعيشة غالبه ...
وأنشدني أَبُو بدر أَحْمَد بْن خالد بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الملك بحران ... يا نفس مَا هو إلا صبر أيام ... كأن لذاتها أضغاث أحلام
يا نفس جوزي عَن الدنيا مبادرة ... وخل عنها فإن العيش قدامي ...
أخبرنا الحسين بْن إدريس الأنصاري أَخْبَرَنَا سويد بْن نصر أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه أَخْبَرَنَا سُفْيَان عَن معن قَالَ قَالَ عَبْد اللَّه إن لهذه القلوب شهوة وإقبالا وإن لها فترة وإدبارا فخذوها عند شهوتها وإقبالها ودعوها عند فترتها وإدبارها ٠
قال أَبُو حاتم الواجب على العاقل أن لا ينسى تعاهد قلبه بترك ورود السبب الذي يورث القساوة له عَلَيْهِ لأن بصلاح الملك تصلح الجنود وبفساده تفسد الجنود فإذا اهتم بإحدى الخصلتين تجنب أقربهما من هواه وتوخى أبعدهما من الردى ٠
ولقد أحسن الذي يقول ... وإذا تشاجر في فؤادك مرة ... أمران فاعمد للأعف الأجمل
وإذا هممت بأمر سوء فتئد ... وإذا هممت بأمر خير فافعل ...
أَخْبَرَنَا بَكْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الطَّاحِيُّ بِالْبَصْرَةِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن عزرة الشامى عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَالِسُوا التَّوَّابِينَ فَإِنَّهُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً ٠
أخبرنا أَبُو يعلى حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمرو بْن جبلة حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مروان حَدَّثَنَا عطاء الأزرق قَالَ قَالَ رجل للحسن يا أبا سَعِيد كيف أنت وكيف حالك
1 / 31
قَالَ كيف حال من أمسى وأصبح ينتظر الموت ولا يدري مَا يصنع به
وأنشدني منصور بن محمد الكريزى ... تتخير قرينا من فعالك إنما ... يزين الفتى في القبر مَا كان يفعل
فإن كنت مشغولا بشيء فلا تكن ... بغير الذي يرضى به الله تشغل
فلا بد بعد القبر من أن تعده ... ليوم ينادى المرء فيه فيسأل
فلن يصحب الإنسان من قبل موته ... ولا بعده إلا الذي كان يعمل
ألا نما الإنسان ضيف لأهله ... يقيم قليلا بينهم ثم يرحل ...
أخبرنا علي بْن سَعِيد العسكري حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الجنيد حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الحسين حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن زياد قَالَ قدم علينا عَبْد العزيز بْن سليمان عبادان في بعض قدماته فأتيناه نسلم عَلَيْهِ فقال لنا صفوا للمنعم قلوبكم يكفكم المؤن عند همكم ثم قَالَ لو خدمت مخلوقا فأطلت خدمته ألم يكن يرعى لخدمتك حرمة فكيف بمن ينعم عليك وأنت مسيء إلى نفسك تتقلب في نعمه وتتعرض لغضبه هيهات هيهات همة البطالين ليس لهذا خلقتم ولا بذا أمرتم الك الكيس رحمك اللَّه وكان يفطر على ماء البحر
قال أَبُو حاتم لن تضفو القلوب من وجود الدرن فيها حتى تكون الهمم في اللَّه هما واحدا فإذا كان كذلك كفي الهم في الهموم إلا الهم الذي يؤول متعقبه إلى رضا الباري جل وعز بلزوم تقوى الله في الخلوة والملاء إذ هو أفضل راد العقلاء في داريهم وأجل مطية الحكماء في حاليهم وأنشدني مُحَمَّد بن إسحاق بن حبيب الوسطى ... عليك بتقوى اللَّه في كل أمره ... تجد غبه يوم الحساب المطول ...
1 / 32
.. ألا إن تقوى اللَّه خير مغبة ... وأفضل زاد الطاعن المترحل ...
قال أَبُو حاتم قد ذكرت هذا الباب بكماله بالعلل والحكايات في كتاب محجة المبتدئين بما أرجو الغنية للناظر إذا ماتأملها فأغنى ذلك عن تكراره في هذا الكتاب ٠
ذكر الحث على لزوم العلم والمداومة على طلبه
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ قَالا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ أَتَيْتُ صَفْوَانَ بن عسال المرادى فَقَالَ مَا جَاءَ بِكَ قُلْتُ جِئْتُ أَنْبُطُ الْعِلْمَ قَالَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ مَا مِنْ خَارِجٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ يَطْلُبُ الْعِلْمَ إِلا وَضَعَتْ لَهُ الْمَلائِكَةُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا بِمَا يَصْنَعُ
قال أَبُو حاتم الواجب على العاقل إذا فرغ من إصلاح سريرته أن يثني بطلب العلم والمداومة عَلَيْهِ إذ لا وصول للمرء إلى صفاء شيء من أسباب الدنيا إلا بصفاء العلم فيه وحكم العاقل أن لا يقصر في سلوك حالة توجب له بسط الملائكة أجنحتها رضا بصنيعه ذلك ٠
ولا يجب أن يكون متأملا في سعيه الدنو من السلاطين أو نوال الدنيا به فما أقبح بالعالم التذلل لأهل الدنيا
حدثنا مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الخالدي حَدَّثَنَا داود بْن أَحْمَد الدمياطي حَدَّثَنَا عَبْد الرحمن بْن عفان قَالَ سمعت الفضيل بْن عياض يقول مَا أقبح بالعالم يؤتى الى منزله فيقال أين العالم فيقال عند الأمير أين العالم فيقال عند القاضي مَا للعالم وما للقاضي وما للعالم وما للأمير ينبغي للعالم أن يكون في مسجده يقرأ في مصحفه ٠
1 / 33