روضة المحبين ونزهة المشتاقين

ابن القيم الجوزية ت. 751 هجري
123

روضة المحبين ونزهة المشتاقين

محقق

محمد عزير شمس

الناشر

دار عطاءات العلم ودار ابن حزم

رقم الإصدار

الرابعة

سنة النشر

١٤٤٠ هجري

مكان النشر

الرياض وبيروت

تصانيف

التصوف
نفوسهم، ولأجل هذا خلق الموتَ والحياة، وجعلَ ما على الأرض زينةً لها؛ قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك/٢]. وقال: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الكهف/٧]، وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [هود/٧]. فأخبرَ سبحانه عن خلق العالم والموت والحياة وتزيين الأرض بما عليها أنه للابتلاء والامتحان، ليختبرَ خلقه أيهم أحسن عملًا (^١)، فيكون عَمَلُهُ موافقًا لمحابِّ الربِّ تعالى، فيُوافق الغايَةَ التي خُلِقَ هو لها، وخُلِق لأجلها العالم، وهي عبوديته المتضمنة لمحبَّته وَطاعتِه، وهي العملُ الأحسنُ، وهو توابعُ محبته ورضاه، وقدَّر [٢٤ أ] سبحانه مقاديرَ تخالفها بحكمته في تقديرها، وامتحنَ خلقَه بين أمره وقَدَره؛ ليبلوَهم أيُّهم أحسنُ عملًا. فانقسمَ الخلقُ في هذا الابتلاء فريقين: فريقًا داروا مع أوامره ومحابِّه، ووقفوا حيث وقفَ بهم الأمر، وتحرَّكوا حيث حرَّكهم الأمر، واستعملوا الأمر في القدر، وركبوا سفينةَ الأمر في بحر القَدَر، وحكَّموا الأمرَ على القَدَر، ونازعوا القَدَر بالقَدَر امتثالًا لأمره، واتِّباعًا لمرضاتِه، فهؤلاء هم الناجون.

(^١) «فأخبر ... عملًا» ساقطة من ش.

1 / 96