ولما رفعه الله إلى السماء وقال اليهود ما قالوا، أنزله الله من السماء إلى أمه مرين وهي تبكي عليه، فقال لها: إن الله رفعني إليه، ولم يصبني إلا الخير وأمرها فجمعت له الحواريين فبثهم في الأرض رسلًا عن الله. ثم رفعه الله تعالى وتفرق الحواريون. وكان رفعه لمضي ثلاثمائة وست وثلاثين من غلبة الاسكندر، وكان بين رفع عيسى ومولد النبي ﷺ خمسمائة وخمس وأربعون سنة تقريبًا.
وعاشت مريم ﵍ ثلاثًا وخمسين سنة، وحملت بالمسيح ولها ثلاث عشرة سنة، وحاضت قبل حملها حيضتين، وعاشت مجتمعه معه ثلاثًا وثلاثين سنة، وبقيت بعد رفعه ست سنين.
وكان ملك اليهود الذي هم بقتل عيبس اسمه هردوس. قال ابن سعيد: وكانت اليهود قد جدت في طلبه فحضر بعض الحواريين إلى هردوس ملك اليهود، وقال له ولجماعة اليهود، ما تجعلون لي إذا دللتكم على المسيح. فجعلوا له ثلاثين درهمًا فأخذها ودلهم عليه فرفع الله المسيح إليه وألقى شبهه على الذي دلهم عليه، فقبضه اليهود وربطوه بحبل وقادوه ويقولون له: أنت كنت تحيي الموتي، أفلا تخلص نفسك من هذا الحبل ويبصقون في وجهه، ويلقون عليه الشوك وهو يستغيث بهم ويقول لهم: أنا فلان وهم لا يصدقونه وصلبوه على الخشبة ست ساعات ثم استوهبه يوسف النجار من هردوس ودفنه في قبر كان يوسف قد أعده لنفسه ثم ظهر لهم أنه هو الحواري الذي دل على عيسى، وأنزل الله عيسى على أمه وهي تبكي واجتمع بالحواريين وبعثهم رسلًا إلى البلاد.
وبزعمهم قال متى في إنجيله: إن المسيح قال: إني أرسلتكم إلى الأمم كما أرسلني أبي إليكم، فاذهبوا وادعوا الأمم باسم الأب والابن والروح القدس.
قلت: تعالى الله عن ذلك علوًا كثيرًا، إنما هذا من كلامهم، فإن كلام الله قوله تعالى: (لا تدع مع الله إلهًا آخر) (إنما هو إله واحد) وقال تعالى: (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) والظاهر أن قول عيسى ﵇ لهم: "الحق ليكفرن لبين أحدكم" يحتمل أنه أراد به متى، وقوله: ليبيعني.. ذلك الذي دل اليهود عليه،، اخذ ثلاثين درهمًا ثم صلب [بعد] ذلك.
ومن فضائح النصارى، ذكر في كتاب "تخجيل من حرف الأناجيل": أن للنصارى كنيسة يحجون إليها، ويزعمون أن يد الله تخرج إليهم من وراء الستر فتصافحهم في يوم من السنة، فبلغ ذلك بعض ملوكهم، فمضى إلى الكنيسة في ذلك اليوم، فلما ظهرت اليد قربها الأقساء إليه ليقبلها فقبضها، فصاح به الأقسة قالوا: الساعة تخسف بنا الأرض فقال: دعوا عنكم، لا أضعها حتى أرى صاحبها. فقالوا له: رجعت عن دينك فقال: لا، ولكني أردت معرفة ذلك فقالوا: إنها يد أسقف من أصحابنا فلا تفضحنا.
ومن فضائحهم: كان في الروم كنيسة يحجون إليها في يوم من السنة فيرون صنمًا بها، إذا قرئ الإنجيل بين يديه در ثدياه، وخرج منهما اللبن، فبحث ملكهم عن ذلك فوجد القيم قد نقب من وراء الجدار طاقة وهندمها حتى أوصلها ثدي الصنم وجعل فيها أنبوبة من نحاس. وأخفاها فإذا كان يوم العيد فتحها وصب فيها لبنًا فيخرج من ثدي الصنم ويقطر قطة قطرة، فلا يشك من حضر أنها آية، فلما علم ملكهم ضرب عنق القيم وحلف أن لا يبقي في الكنائس صورًا، وكفر بعضهم [ب] بعضٍ.
وزعم النصارى: أن المسيح علم هذه الأقوال إلى الحواريين، ويقولون: إنها سورة ويسمونها فاتحة الأناجيل وهي: أبانا الذي في السموات، قدوس اسمك، يأتي ملكوتك، كما في السماء كذلك يكون على وجه الأرض. آتنا خبزنا قوتًا في اليوم، واغفر لنا ما وجب علينا، كما نحب أن تغفر لمن أخطأ إلينا، ولا تدخلنا التجارب لكن نجنا من الشرير، لك المجد والقوة والملك إلى الأبد. آمين فانظر رحمك الله إلى هذه الألفاظ وانظر إلى فاتحة الكتاب، فبين الفاتحة وبين هذه الكلمات كما بين الأرض والعرش لا السحاب.
1 / 14