[25_2]
فإنه أجاد بحسن الابتداء، وهو حسن المطلع، فإنه عبارة عن أن يكون مطلع القصيدة واضح المعنى، صحيح السبك، خليا من الحشو والتعقيد، سهل الألفاظ غير متعلق بما بعده، متناسب القسمين، ومن أخل بشيء من ذلك لم يكن يأتي به. والمستوفي منه قول المتنبي:
أتراها لكثرة العشاق ... تحسب الدمع خلقة في المآقي
واكتفت الأدباء بحسن الابتداء عن براعة الاستهلال، وهو أن يأتي الناظم أو الناثر بابتداء كلامه بما يستدل به على المقصود من غير توقف على ما بعده، كقول مهيار الديلمي في قصيدة له حين وشي به إلى ممدوحه، فتنصل من ذلك بألطف عذر، وأبرزه في معرض الغزل والتشبيب، وهو:
أما وهواها حلفة وتنصلا ... لقد نقل الواشي إليها فامحلا
وللمتنبي في مرثية يرثي بها أم سيف الدولة:
نعد المشرفية والعوالي ... وتقتلنا المنون بلا قتال
وينبغي للبليغ الاجتهاد بجميعها، لان سبب تسميتها براعة الاستهلال فهم المقصود من ابتداء كلامه، كما ترى مما ذكرنا. والقصيدة برمتها هي هذه:
خاطبنا العاذل عند الملام ... بكثرة الجهل فقلنا سلام
ما لامنا من قبل لكنه ... لما رأى العارض في الخد لام
وليس لي من عشقه مخلص ... لكنني أسأل حسن الختام
والجفن في لجة دمعي غدا ... من بعده يسح شهرا وعام
ونار خديه التي أضرمت ... عذابها كان لقلبي غرام
اخترته مولى ويا ليته ... لو قال يا بشر أي هذا غلام
سلامه يبخل فيه وما ... قصدي إلا رده والسلام
عني حمى الثغر بألحاظه ... وكان حالي معه بانتظام
صفحة ٢٥