فقال قوم :(صدق)، ونظروا إليه كلما جاء ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهق وبكى وحن وشكى واستعمل الورع والوقار والبكاء والحنين حتى أخذ بقلوبهم فلم يزل كذلك إلى أن تغيب عنهم بعض المدة، فسألوا عنه فيما بينهم، فقال بعضهم لبعض : ( قوموا بنا إلى الرجل ولعله مريض فنعوده فإن كان مريضا عدناه، أو محتاجا واسيناه)، فوصلوا إليه فوجدوه قد انحجر في قعر بيته له فترة من البكاء . فقالوا له : ما لك ؟ فقال : دعوني لما بي، قد وقعنا فيما حذرتكم عنه أول مرة) فقالوا له: وما ذلك ؟ فقال : إني أتيت إلى حلقة حماد بن أبي حنيفة، إذ جاءه رجل، فقال له : ما تقول في القرآن ؟ فقال حماد بن أبي حنيفة : وما في هذا من العجب، القرآن مخلوق .
فعمد يا إخوتي إلى كلام الله ونوره وضيائه الذي خرج منه وإليه يعود، فجعله مخلوقا، فعظمت مصيبتي يا إخوتي في القرآن العظيم والذكر الحكيم الذي خرج منه وإليه يعود، فأي مصيبة أعظم من هذه، فجعله مخلوقا وأي بلية أعظم منها ؟ فكأن الله قبل خلقه كان غير عالم وغير متكلم . يصفوه بصفات العجز والحدث والحاجة والخلق . فجئتكم يا إخوتي أشكو إلى الله تعالى وإليكم هذه المصيبة العظيمة والبلية الفادحة، ولقد أمرتكم يا إخوتي قبل هذا أن اعتزل مجالسهم حتى لا نسمع كلامهم، وننتبذ ناحية في المسجد، فاستجاب القوم بالبكاء من كل ناحية، فقال بعضهم لبعض : قد وجب علينا جهاد هؤلاء القوم، ولنرجع إلى ما كنا عنه ننهى أول مرة، وقد حوجونا إلى ذلك .
صفحة ٨٤