ولما تمكن ذلك فيهم دعا كلا منهم في الخلوة وقال له : أنت خالصتي وادع الناس لما علمتك وأمره أن يذهب إلى ناحية من البلاد وقال لهم : إني رأيت عيسى في المنام وقد رضي عني وسأذبح نفسي تقربا إليه ثم ذبح نفسه في مذبح البلدة .
فذهب واحد إلى الروم وواحد إلى بيت المقدس وواحد إلى ناحية أخرى فدعا كل إلى مقالته، فتبعهم (¬1) طوائف فتفرقوا واختلفوا ووقع القتال . وعلى ما ذكر في هذه القصة (¬2) ، فنسبة بولص هذا إلى النصرانية إنما هي بحسب ادعائه لها عند أربابها لا بحسب الواقع فإنه يهودي الملة.
وقوله إذ قال في عيسى المسيح : بيان لقوله قد كان قبل لبولص، وإذ بمعنى حين. وسمي عيسى المسيح لأنه يمسح على وجه الأكمه فيبصر. وإنما ساوى بين مقاله القائلين بقدم القرآن وعدم خلقه وبين مقالة بولص في أن عيسى إله ثان مع الله لاشتراكهما لازم التشبيه. وربما استدل بعض أتباعه على قدم عيسى وعدم خلقه بأن روح الله وكلمته فيشابه استدلال المستدلين على قدم القرآن بأنه كلام الله وكلامه غير مخلوق استدلال هذا النصراني بأن عيسى كلمة الله وكلمة الله غير مخلوقه فتساوى الأمران وتشابه الحالان واتفقت المقالتان.
8- ولمن بأذيال الهوى مستمسك ... ... فهو الحجاب له عن الرحمن
أي تعلقك بتل السفاسف الشيطانية حتى شاركت بولص في التشبيه، تعلق بأطراف ما تميل إليه نفسك من الباطل. وأن الذي هو متعلق بأطراف ميل النفس إلى الباطل يكون تعلقه مانعا له من معرفة المنعم بجلائل النعم .
فقوله ولمن : مبتدأ خبره فهو الحجاب (¬3) .. الخ ، واللام فيه للإبتداء جيء بها لتأكيد الكلام وتقويته .
صفحة ٧٧