النهم (1) وتصح في بدنك، وتتعبد لله وتكون حرا، وتعبده وتكون ملكا، أي أحتم من الإفراط في شهوة الطعام وفي تناوله حتى تكون بذلك صحيحا في بدنك، وتعبد لله عز وجل وأعبده حتى تكون حرا من الأحرار وملكا من الملوك.
والتسبيح والتحميد علم للتسبيحات الأربع، وكذلك هي المراد من " ذكر الله " في الرواية الثانية، فمعناه تأتي بالتسبيحات الأربع حتى تكون بذلك في حكم المستغفر لذنبك، وتكون (2) هي في قوة الاستغفار منك، والكفارة لآثامك، وفيها (3) مغفرة لذنوبك، لا أنك تأتي بالتسبيحات، (4) وتضم إليها كلمة الاستغفار، أو دعاءه على ما يتبادر إلى الوهم حتى تنسب الرواية إلى الشذوذ.
وليعلم أنه يستفاد من الخبر تفضيل التسبيحات على الفاتحة، وهو كذلك في حق المنفرد على الأقوى وقد بسطنا القول فيه في كتاب عيون المسائل. (5) ثم من غرائب هذا العصر أن ثلة من أهله ظفروا بهذا الخبر - الذي قد ودعه الأصحاب عن آخرهم في مطرح ترك العمل بمضمونه؛ لأسباب تأدت بهم إلى تركه - فحسبوا أنهم قد فازوا بما فاتهم ضبطه، وأحاطوا بما لم يحيطوا بعلمه، فأحدثوا القول بوجوب الاستغفار بعد التسبيحات.
ففريق منهم كانوا يقولون: " اللهم اغفر لذنبي " فنبهتهم وأطلعتهم على لحن فيه مخالف لقوانين العربية؛ إذ الذنب حينئذ يكون مفعولا له، فيحتاج إلى تقدير المفعول به، ويصير الكلام في قوة : اللهم اغفر لذنبي ذنبه، وتضحك منه وعليه الثكلى.
وفريق: " اللهم اغفر ذنبي " وفريق " أستغفر الله ".
وبالجملة: انتشرت الآراء وتفرقت الأهواء على غير بصيرة، والله سبحانه أعلم.
صفحة ٧٧