غير سبق مدة أصلا، ولا مادة سبقا صريحا دهريا، وإن كانت المادة سابقة في لحاظ العقل سبقا بالذات فقط.
وأما " الصنع ": فبالحري أن يعمم بحيث يعم الإبداع والاختراع دون التكوين، ولو خص بالتكوين دونهما فلا شطط. فهذا ما آثرنا عقد الاصطلاح عليه في كتابينا:
الإيماضات والتشريقات، وهو الصحيفة الملكوتية، وتقويم الإيمان، وهو كتاب التقويمات والتصحيحات، وفي غيرهما من كتبنا العقلية، وصحفنا الحكمية.
وإذا تعرفت الأمر، فقوله: " لا من شيء فيبطل الاختراع " معناه: لا من مادة سابقة سبقا بالزمان، أو سبقا صريحا دهريا. وقوله: " ولا لعلة فلا يصح الابتداع " مغزاه (1) القول في النظام الجملي للوجود كله، أعني زمر (2) الجائزات من المجردات والماديات قاطبة.
وبالجملة: ما سوى ذات الله الأحد الفرد سبحانه، يعني ولا لعلة غير نفس ذاته سبحانه لا فاعلية ولا تتمة لها ولا غائية - وهي العلة الكمالية - ولا غير ذلك من أنواع العلل وأقسامها أصلا، فذاك، الضرب الفاضل من الإبداع. والنظام الجملي هو أحق ما يسمى مبدعا؛ إذ ليس يعقل وراءه إلا الله سبحانه، فهو - عز سلطانه - بنفس ذاته الأحدية جاعله الحق، وموجبه التام، ولا يتصور أيضا هناك علة غائية وراء ذات الجاعل المبدع الذي هو بعين مرتبة ذاته علمه التام بالنظام الأكمل. فالنظام الجملي - الذي لا يتصور له علة أصلا إلا نفس ذات الجاعل الحق - فائض عن صرف ذاته الأحدية، ومنبعث عن نفس علمه وإرادته اللذين هما عين مرتبة ذاته، فيضانا بالذات، وانبعاثا أوليا بالقصد الأول، ولكن حيث إن سبيل إيجاد المركب إيجاد
صفحة ٣٨