قال ثابت: إن رأيت أن تزيدنى بيانا، فعلت.
قال أحمد: وإنما وضع الحكيم فى كتبه هذه التحليلات والتكليسات والتفريقات احتيالا منه للشىء أن يغيره عن تركيبه المطبوع عليه فيرده بسيطا كما كان فى البدء فينفذ فيه حينئذ تدبير الاختيار كما نفذ فى البدء.
قال ثابت: وكيف ينفذ تدبير الاختيار فى البسيط ولا ينفذ فى المطبوع؟ قال أحمد: لما أخبرتك من تنافرهما.
قال ثابت: ولم لا يتنافر البسيط أيضا؟ قال أحمد: لأنه أقرب مشاكلة منه.
قال ثابت: وكيف يتهيأ لنا أن نرد الشىء بسيطا فى هذا العالم المطبوع المركب؟
قال أحمد: قد قلت فى الفصل من كلامى المتقدم أنه يباعد عن الطبيعة وإن كان البعد قليلا. فإنما أردت بهذا القول أنه لا يمكن أن يرد بسيطا كما كان الأصل، إلا أنه يحتال فيه بلطيف التدبير وعلى أدق ما يمكن من الحيلة فى هذا العالم أن يقام الشىء الواحدى الذات خلوا من الشوائب، أعنى من أضداده، فيكون إذا أقرب إلى البسيط من المطبوع المركب — عمل الاختيار فيه، أقول إنه لا يمكن لأحد فى هذا العالم أن يقيم الشىء الواحدى الذات... ... ... فهو البسيط حتى يكون الذى يخالطه من الشوائب القليل الكمية الضعيف الأثر، فيكون أقساما — ينجح فيه الطالب لهذه الصناعة.
قال ثابت: قد فهمت هذا القول وقبلته قبول اضطرار. فخذ أيها الحكيم فى تمام كلامك.
قال أحمد: إن أول ما أتكلم به المشورة على طالبى الحكمة المخالفين لسيرة البهائم أن لا يقبلوا من أحد يدعى علم هذه الصناعة إلا من يرشد إلى ما أرشدت.
قال ثابت: فمثل لمن أشرت عليهم مثالا يقتدون به.
قال أحمد: هو قولى هذا الذى قلت إنه لا يمكن كون هذا الشىء إلا برده إلى البسيط.
صفحة ١٢٤