أما ما ذكرت أن الحشائش والنبات من جنس الطبيعة، وأن الذهب والفضة وسائر الجواهر أيضا كذلك، وأنه واجب أن يزدادا إذا دبرا كزيادة النبات — فيوجب قولك هذا أن تكون زيادة الذهب ونماؤه فى معدنه وجوهره الذى هو الأرض. وكما أنك لو ألقيت بذر النبات فى النار أو فى موضع غير مشاكل له لم يزد فيه ولم يستحل، بل تفرق وبطل — كذلك الجواهر إذا ألقيتها فى معدنها لم يكن بالمستحيل أن تستحيل إلى جوهرها. وإذا كانت من خلاف الموضع الذى يشاكلها بطل أن تنمو أو تزيد كما بطل ذلك فى النبات. — فقد بان لك — إن استيقظت من سنة الضلال — أن قولك هذا فاسد واستدلالك هذا باطل.
فلم تردعه وصية الشيخ وما بين له، ودار بينهما كلام كثير، أدى ذلك إلى مفارقته للشيخ وخرج إلى بلاد البابليين، ونزل على مصب الفرات يطلب وجود هذه الصنعة. وزاد فى حرصه عليه منع الشيخ له عنه، وأراد أن يكون انصرافه إلى بلاد اليونانيين. وقد أدرك ذلك لينفى عن نفسه ما نسب إليه من الاشتغال بالباطل والانهماك فى المحال. فلم تزده الأيام إلا حيرة، ولا التفتيش إلا عمى. فلما يئس وانقطع رجاؤه انصرف إلى بلاد اليونانيين خائبا خاسرا وقد نفذت أيامه وفاته الحظ الجليل من ملازمة أستاذه.
فلقيه أفلاطون فقال له كالهازئ به: هل أصبت مطلوبك يا أومانيطس؟ فقال: أصبت أن مطلوبى من مطلبه غير موجود.
فقال أفلاطون: قد أصبت الموجود.
قال ثابت: أيها الفيلسوف! قد فت هذا الكلام فى عضدى ونقص من غرامى، وأوهى من رأيى، إذ كنت أقدر قديما تقدير أومانيطس وأظن أنه الصواب. فأنا فى هذا الوقت متحير، قد بطل عندى — ببطلان هذا الرأى — وجود علم هذه الصنعة.
قال أحمد: إنه لا ينبغى أن يصح عندك وجودها حقيقيا حتى يبطل عندك رأيك الأول بطلانا لا تشك فيه.
قال ثابت: فأسألك بمن خصك بالفضائل إلا ما عجلت كشف غم هذه الحيرة عنى، وألبستنى سرور الإيضاح وفرحة المطلوب والموجود.
قال أحمد: مما ينبغى أن تعلم يا ثابت: أن الاختيار والطبع متنافران متضادان، وأن فعل الطبيعة مستحيل كونه بفعل الاختيار لتنافر الأصلين، أعنى الاختيار والطبع، فيكون الذهب فى هذا العالم بالاختيار ككون الطبع له مستحيل، إلا أنا نخالف ذلك فندبره تدبيرا يباعد الطبع وإن كان بعيدا قليلا. فإذا فعلنا ذلك دبرناه كتدبير الاختيار فى الأصل، ثم رد البسيط بالتركيب إلى ما يراد من الجوهر.
صفحة ١٢٣