وإنما إخراجى هذه الصفة بالرذل من القول لأن من شأنى فى مثله استعمال الألفاظ السهلة العامية التى يشترك فى العلم بها أفناء الناس، لأنه إذا كان المقصود فى وصف عمل الشىء إدراك حقيقته، فبالواجب أن يقصد لما لا يعمى على المتعلم والصانع. فلولا أنى خالفت الفيلسوف فى رأيه وأخرجت هذه الصفات على ما ترى وحدت عن الكلام الجزل الفخم، لكان يقل من ينتفع به. وسأتمم كلامى بأسخف ما يتهيأ من الألفاظ، فليس مرادى ذلك أظنه بقى إلا كشف الغامض وما يسهل على الطالب عمله وعلمه. ولولا أن من الأشياء ما لا يجوز فيها الاختصار دون التمام ولا الإيماء دون التصريح — لكان كلامى يقصر. إلا أنه العلم التام المحتاج منتحله إلى الوقوف على أكثر العلل الأبدية حتى أكاد أن أقول الكل. وكيف لا يكون كذلك، وهو العمل الأبدى الذى كان من أجله ما ترى! وليس يستغنى العامل، مع كثرة كلامى، عن استعمال قياس البعض على البعض ليكون بفعله ذلك مستمكنا من العلم يعرف صدقه عن كذبه ويقف على ما يجب أن يهمله فيه وما لا يجوز تركه بتة؛ فإنه إذا فعل ذلك وانفتق له الرأى سهل عليه مطلبه ومراده. وليعلم أن هذه الأشياء كالمراقى، وأن الطالب كالسالك البيداء: الواجب عليه أن يهتدى فيها بالمقاييس التى يعرف بها نهج الطريق. فإذا عدم المحجة وما يقيس به فالصواب له التثبت، لأنه لا يأمن أن يكون سيره ذلك مما يبعده عن مقصده. كذلك العامل يجب عليه أن لا يركب شيئا إلا وقد عرفه وعرف صوابه ليكون هو الذى يغلب العمل لا العمل يغلبه. وأنا مخرج للفيلسوف لفظا يوجب وصفه فى هذا الموضع:
قال أفلاطون: ومن وقف على الاختلاف والتفاوت الذى يعرض للصباغين فحقيق أن لا يستعظم ما يحدث عليه.
صفحة ١٦٧