قال أحمد: الذى أنبأك به قول له فيه وفى سائر آرائه — مذهب أنا مخرج لك جمله، فأبدأ ببعض ما أتى به بعض تلامذة الشيخ أفلاطون: فمنهم غلوقن فيقول: إن من رأى الأوائل أن ما بين الاجتماع والاستقبال القوة للقمر، وبين الاستقبال والاجتماع القوة للشمس. فكل أمر من الأمور التى يستولى عليها أحد هذين الكوكبين يكون الأثر للكوكب فى أوان قوته واستيلائه أكثر. فيقول الفيلسوف إن الاختيار لأوان التحليل: بعد الاجتماع، والتعقيد: بعد الاستقبال. — وقد تكلم فى هذا النوع تلامذة الشيخ وأكثروا القول وخطأوا الفيلسوف فى رأيه هذا. وذلك أنهم رأوا أن القوة تنجذب إلى العلو بعد الاجتماع أكثر منه بعد الاستقبال؛ واحتجوا فى ذلك بالمد والجزر وغير ذلك من القوى الطالبة للعلو، ويكون الحل فى أوان استيلاء جذب القوة خطأ لأنه يكون إذن المعين على فوت القوة. وكل من رأى رأى أرسطوطاليس فيه أنه ذهب فى معنى قول الفيلسوف أن يستعمل الحل فى الشتاء، وذلك لاستيلاء القمر على الزمان لارتفاعه خاصة فى هذا الإقليم ثم مشاكلة الزمان له بالرطوبة والبرد، فيكون الزمان الرطب أعون على الحل، ويكون العقد فى الصيف المستولى عليه الشمس بالارتفاع ومشاكلة طبع الزمان. وليس شىء من هذه الأقاويل — وإن كانت لا تخلو من الصواب — بالمقنع ولا قصد فيه عندى لمذهب الفيلسوف، لأن غلوقن يدخل على الفيلسوف ما قد عابه عليه التلامذة. وقول أرسطوطاليس ليس يكذب قول الفيلسوف الذى يأتى بعد، لأن من رأى الفيلسوف أن العمل يتم فى سنة شمسية، ويأمر بعقد الشىء وحله مرارا. فإذا كانوا قد خطأوا الحل إلا فى الشتاء والعقد إلا فى الصيف، فكيف يتم العمل فى سنة؟! والواجب على معتقد هذا الرأى أن ينتظر بالحل الشتاء، وبالعقد الصيف. والذى عندى فى ذلك ما يشاكله من آراء الفيلسوف فى غير هذا النوع، وهو ما ليس من شكل هذا الكتاب. إلا أن الأشياء يتعلق بعضها ببعض: فمن قد بخس الجزء فقد بخس الكمال. فرأى الفيلسوف فى هذا القول إنما غرضه الاستعانة بالقوة الروحانية وتألف من أرواح هذين الكوكبين ما يكون المعين. ألا ترى أنه يقول إن الأثر يظهر وليس يكلف مع ذلك العامل أن يقصد فى التألف ما يقصده المتألف للالتماس أو الأعمال الجليلة، بل لافتقاره على الذخر التى تشاكلها فى أوان استيلائها فى الأيام والساعات والابتهال إليها فى تيسير العمل وبيانه والتوفيق فيه، فيكون أقل ما ينتج له هذا الفعل كف الغائلة إن منع المعاونة، لأن المتخوف من القمر فى أوان الحل جذب القوة ويتخوف ذلك أيضا من الشمس فى أوان العقد.
قال أفلاطون: وإذا استعين بالعلوى كف السفلى.
قال أحمد: إن هذا القول مصدق لما أتيت به قبل. والأرواح السفلية، وإن لم تبلغ من قوتها أن تجذب القوى كما تجذب العلوية، فإنها لا تخلو من الصور فى كل نوع من الفعل. فيقول الفيلسوف إن من عاونته العلوية لم تضره السفلية.
صفحة ١٥٤