والكتاب الرابع هو سماء العقل إذ هو تدبر الكل ورد الطبيعة إلى البسيط والبسيط إلى الطبيعة والتدبير المحصل والمشذب ومحتاج فيه أن يرتفع عن النفسانية فضلا عن الطبيعة وحتى يشاكل مدبره الأرباب العلويين المحقين وإن شئت أيضا نسبتها إلى الأركان فجعلت الكتاب الأول لركن الماء إذ هو قعر الطبيعة؛ والثانى لركن الأرض إذ هو مرتفع عن الماء فى الطبيعة؛ الثالث: ركن الهواء، إذ هو مرتفع عن الأرض وهو الذى به وبتداخله تستحيل الأركان؛ والرابع: لركن النار المستعلى على الأركان والمؤثر فيها. وأرتبها ترتيبا تاليا فأجعل الكتاب الأول للطبائع المركبة، والثانى للطبائع المنفصلة، والثالث للطبائع المفردة، والرابع للأثير البسيط. وأتمم الترتيبات أربعة على عدد الأركان: فأنسب الكتاب الأول إلى العقل الحسى، والثانى إلى الأثر الداعى إلى التمييز العقلى، والثالث إلى الفكرة الصحيحة الهادية للحقائق، والرابع إلى ما ينتج هذه الآثار المقدمة وما يؤدى إليه. فإنما أحوجت ذلك وكررت ليقتدى الطالب بسياسة نفسه وتدبيرها ليتهجم بعد وقد تعلم نوعا من التدبير، لأن الأشياء بأشباهها تتم. فإذا كان الطالب بعد الشبيه ولم يرتق على المراقى التى حددت لم يسلك السلوك المؤدى إلى المراد.
قال ثابت: إنك أيها الفيلسوف قد عظمت شأن هذه الكتب وفخمت أمرها مع خساسة نتائجها عندك.
قال أحمد: أظنك تقدر أن ثمرة ذلك هو قلب تركيب الجواهر فقط.
قال ثابت: وهل السؤال والبحث إلا عن ذلك؟ وهل الغرض الأقصى إلا هو؟
قال أبو العباس: كلا! إن أحسن ما يدرك من ذلك غير ذلك.
قال ثابت: فأنعم بالإخبار عما سواه، وصله بساير أياديك وأفضالك.
قال أبو العباس: كما هو البيان عن ذلك فكذلك هو عن غيره، حتى أكاد أن أقول الكل.
قال ثابت: وهل مع البيان إدراك الفعل؟
قال أبو العباس: من أحاط بمعرفته فإنه حينئذ المالك نفسه والمتولى على الشىء الذى هو مربوط به، أعنى به الجسد، حتى متى شاء أقام فيه ومتى ما شاء رحل عنه، وإن شاء عاد إليه. إنى يا ثابت لو كان غرضى حباؤك بما تظن لكنت أوجدك ذلك حسا وفعلا فى أقرب مدة وأقل زمان يوجد فيه. وسأفعل ذلك وأبتدئ به حتى تعلم أنه لا يعتاص على. ثم آخذ فى إتمام الكلام فى كشف كلام الفيلسوف.
قال ثابت: أنا بقولك واثق ثقة تغنينى عن العيان.
قال أبو العباس: بل هو أوكد.
قال ثابت: رأيك الأعلى وأمرك المطاع.
قال أبو العباس: موعدك بعد الشهر.
صفحة ١٥١