صلى الله عليه وسلم
دعاه إلى الإسلام أو كلفه التصديق قبل بلوغه ليكون ذلك آية للناس في عصره وحجة له ولولده من بعده! فهذا كان أشد على طلحة والزبير وعائشة في كل ما ادعاه من فضائله وسوابقه وذكر قرابته؟!
فلو أن عليا كان بالغا حيث أسلم لكان إسلام أبي بكر وزيد بن حارثة وخباب بن الأرت أفضل من إسلامه؛ لأن إسلام المقتضب الذي لم يعتد به ولم يعوده ولم يمرن عليه أفضل من الناشئ الذي ربي فيه ونشأ عليه وحبب إليه؛ وذلك لأن صاحب التربية يبلغ حيث بلغ وقد أسقط إلفه عنه مؤنة الروية والخاطر وكفاه علاج القلب واضطراب النفس، وزيد وخباب وأبو بكر يعانون من كلفة النظر ومؤنة التأمل ومشقة الانتقال من الدين الذي قد طال إلفهم له ما هو غير خاف!
ولو كان علي حيث أسلم بالغا مقتضبا كغيره ممن عددنا لكان إسلامهم أفضل من إسلامه؛ لأن من أسلم وهو يعلم أن له ظهرا كأبي طالب وردءا كبني هاشم وموضعا في بني عبد مناف، ليس كالحليف والمولى والتابع والعسيف
2
وكالرجل من عرض قريش؟! أولست تعلم أن قريشا خاصة وأهل مكة عامة لم يقدروا على أذى النبي
صلى الله عليه وسلم
ما كان أبو طالب حيا؟ وأيضا فإن أولئك اجتمع عليهم مع فراق الإلف مشقة الخاطر، وعلي كان بحضرة الرسول يشاهد الأعلام في كل وقت ويحضر منزل الوحي. فالبراهين له أشد انكشافا والخواطر على قلبه أقل اعتلاجا، وعلى قدر الكلفة والمشقة يعظم الفضل ويكثر الأجر.
ولأبي بكر فضيلة في إسلامه، أنه كان قبل إسلامه كثير الصديق عريض الجاه ذا يسار وغنى، يعظم لماله ويستفاد من رأيه، فخرج من عز الغنى وكثرة الصديق إلى ذل الفاقة وعجز الوحدة. وهذا غير إسلام من لا حراك به ولا عز له، تابع غير متبوع؛ لأن من أشد ما يبتلى الكريم به السب بعد التحية والضرب بعد الهيبة والعسر بعد اليسر ...! ثم كان أبو بكر داعية من دعاة الرسول
صلى الله عليه وسلم ، وكان يتلوه في جميع أحواله، فكان الخوف إليه أشد والمكروه نحوه أسرع، وكان ممن تحسن مطالبته ولا يستحيا من إدراك الثأر عنده؛ لنباهته وبعد ذكره، والحدث صغير يزدرى ويحتقر لصغر سنه وخمول ذكره.
صفحة غير معروفة