رسائل الجاحظ: وهي رسائل منتقاة من كتب للجاحظ لم تنشر قبل الآن

الجاحظ ت. 255 هجري
109

رسائل الجاحظ: وهي رسائل منتقاة من كتب للجاحظ لم تنشر قبل الآن

تصانيف

وأما عبد الملك فحسبك من جهله تبديل شرائع الدين والإسلام وهو يريد أن يلي أمور أصحابها بذلك الدين بعينه! وحسبك من جهله أنه رأى من أبلغ التدبير في منع بني هاشم الخلافة أن يلعن علي بن أبي طالب على منابره ويرمى بالفجور في مجالسه، وهذا قرة عين عدوه وعير عين وليه، وحسبك من جهله قيامه على منبر الخلافة قائلا: إني والله ما أنا بالخليفة المستضعف، ولا بالخليفة المداهن، ولا بالخليفة المأفون. وهؤلاء سلفه وأئمته، وبشفعتهم قام ذلك المقام، وبتقدمهم وتأسيسهم نال تلك الرئاسة، ولولا القادة المتقدمة والأجناد المجندة والصنائع القائمة لكان أبعد خلق الله من ذلك المقام وأقربهم إلى الهلكة إن رام ذلك الشرف. وعنى بالمستضعف عثمان، وبالمداهن معاوية، وبالمأفون يزيد بن معاوية. وهذا الكلام نقض لسلطانه، وعداوة لأهله، وإفساد لقلوب شيعته. ولو لم يكن من عجز رأيه إلا أنه لم يقدر على إظهار قوته إلا بأن يظهر عجز أئمته، لكفاك ذلك منه ... فهذا ما ذكرته هاشم لأنفسها.

قالت أمية: لنا من نوادر الرجال في العقل والدهاء والأرب والنكر ما ليس لأحد، ولنا من الأجواد وأصحاب الصنائع ما ليس لأحد. زعم الناس أن الدهاة أربعة: معاوية بن أبي سفيان، وزياد، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة. فمنا رجلان ومن سائر الناس رجلان. ولنا في الأجواد: سعيد بن العاص، وعبد الله بن عامر، لم يوجد لهما نظير إلى الساعة. وأما نوادر الرجال في الرأي والتدبير: فأبو سفيان بن حرب، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الملك بن مروان، ومسلمة بن عبد الملك. وعلى أنهم يعدون في الحلماء والرؤساء، فأهل الحجاز يضربون المثل في الحلم بمعاوية كما يضرب أهل العراق المثل فيه بالأحنف. فأما الفتوح والتدبير في الحرب فلمعاوية غير مدافع، وكان خطيبا مصقعا ومحربا مظفرا، وكان يجيد قول الشعر إذا آثر أن يقوله. وكان عبد الملك خطيبا حازما محربا مظفرا. وكان مسلمة شجاعا مدبرا وسائسا مقدما، وكثير الفتوح كثير الأدب. وكان يزيد بن معاوية خطيبا شاعرا. وكان الوليد بن يزيد خطيبا شاعرا. وكان مروان بن الحكم وعبد الرحمن بن الحكم شاعرين. وكان بشر بن مروان شاعرا ناسبا وأديبا عالما. وكان خالد بن يزيد بن معاوية خطيبا شاعرا وجيد الرأي أريبا كثير الأدب حكيما، وكان أول من أعطى التراجمة والفلاسفة وقرب أهل الحكمة ورؤساء أهل كل صناعة، وترجم كتب النجوم والطب والكيمياء والحروب والآداب والآلات والصناعات. وقالوا: وإن ذكرت البأس والشجاعة فالعباس بن الوليد بن عبد الملك، ومروان بن محمد، وأبوه محمد بن مروان بن الحكم وهو صاحب مصعب. وهؤلاء قوم لهم آثار بالروم لا تجهل وآثار بأرمينية لا تنكر، ولهم يوم العقر شهده مسلمة والعباس بن الوليد. قالوا: ولنا الفتوح العظام، ولنا فارس وخراسان، وأرمينية وسجستان، وأفريقية وجميع فتوح عثمان. فأما فتوح بني مروان فأكثر وأعم وأشهر من أن تحتاج إلى عد أو إلى شاهد، والذين بلغوا في ذلك الزمان أقصى ما يمكن صاحب خف وحافر أن يبلغه حتى لم يحتجر منهم إلا ببحر أو خليج بحر أو غياض أو عقاب أو حصون وصياصي ثلاثة رجال: قتيبة بن مسلم بخراسان، وموسى بن نصير بأفريقية، والقاسم بن محمد بن القاسم الثقفي بالسند والهند، وهؤلاء كلهم عمالنا وصنائعنا. ويقال: إن البصرة كانت صنائع ثلاثة رجال: عبد الله بن عامر، وزياد، والحجاج، فرجلان من أنفسنا والثالث صنيعتنا. قالوا: ولنا في الأجواد وأهل الأقدار: عبد الله بن خالد بن أسيد بن أمية، وأخوه خالد. وفي خالد يقول الشاعر:

إلى خالد حتى أنخنا بخالد

فنعم الفتى يرجى ونعم المؤمل

ولنا سعيد بن خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وهو عقيد الندى، كان يسبت ستة أشهر ويفيق ستة أشهر، ويرى كحيلا من غير اكتحال، ودهينا من غير تدهين، وله يقول موسى شهوات:

أبا خالد أعني سعيد بن خالد

أخا العرف لا أعني ابن بنت سعيد

ولكنني أعني ابن عائشة الذي

أبو أبويه خالد ابن أسيد

عقيد الندى ما عاش يرضى به الندى

صفحة غير معروفة