الله تعالى في كتابه من لم يؤمن به كفارا ومشركين، وأحل له دماءهم وأموالهم، وسبي نسائهم وذراريهم، وهذا أظهر من الشمس في نحر الظهيرة.
وإذا كان الأمر كذلك، فلا يخلو هذا المشبه الجاهل الغاوي من أحد أمور ثلاثة، إما أن يقول: إن الذين سماهم الله كفارا ومشركين ومنافقين ليسوا من أمة محمد ﷺ، وهذا لا يقوله أحد حتى الزنادقة والشياطين، أو يقول: إن المؤمن والكافر والمنافق والمبتدع كلهم من أمة محمد ﷺ خير أمة أخرجت للناس، فهذا لا يقوله إلا من ضل عن القرآن وخرج من الإيمان، وغوى عن الحق والهدى، وسلك سبيل أهل الزيغ والردى؛ حيث جعل المشركين والكفار كالمقربين والأبرار، وسوى بين أهل الجنة وأهل النار.
فإن رجع عن هذين الأمرين خصم نفسه وأبطل شبهته. والبصير يعرف حال هذا الرجل في دينه وجهله، وأنه لا يقول هذا الأمر إلا من لا عقل له ولا دين، لكن يتعين علينا الجواب مخافة أن تكون هذه الشبهة قد دخلت على بعض العوام، وعلى بعض من ينتسب إلى العلم من المستكبرين المعرضين عن هذا الدين.
مييز أمة الإجابة من أمة الدعوة
فأقول وبالله التوفيق: قال الله تعالى: ﴿حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ﴾ ١ - إلى قوله ﴿فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ ٢: فأخبر تعالى في هذه الآيات أن الأكثر أعرضوا عن هذا القرآن، الذي أوحاه الله إلى نبيه محمد ﷺ، فلم يقبلوا ما جاءهم به، وهم الذين بعث فيهم ﷺ من قريش وغيرهم، لا ريب أنهم من أمته ﷺ، فصاروا فريقين: فريق آمنوا واتبعوه، والأكثر أعرضوا عنه، ونصبوا له
_________
١ سورة فصلت آية: ٢.
٢ سورة فصلت آية: ٥.
1 / 55