إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا﴾ ١.
فجعل امتناع صفة الكلام والتكلم، وعدم ملك الضر والنفع، دليلا على عدم الإلهية، وهذا دليل عقلي سمعي على أن الإله لا بد أن يكلم ويتكلم، ويملك لعابده الضر والنفع، وإلا لم يكن إلها. ومما استدل به أحمد وغيره من الأئمة على أن كلام الله غير مخلوق قوله -تعالى-: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾ ٢.
قالوا: فلما قال: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ﴾ لم يبق شيء مخلوق إلا كان داخلا في ذلك، ثم ذكر ما ليس بمخلوق، فقال: ﴿وَالأَمْرُ﴾ . وأمْرُه هو: قولُه ﵎، فلا يكون خلقا. واستدل الإمام أحمد ﵀ أيضا على الجهمية لمَّا قالوا: "إن كلام الله مخلوق". فقال: وكذلك بنو آدم كلامهم مخلوق، فشبهتم الله بخلقه حين زعمتم أن كلامه مخلوق.
ففي مذهبكم أن الله قد كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتى خلق التكلم فتكلم، وكذلك بنو آدم كانوا لا يتكلمون حتى خلق لهم كلاما، فجمعتم بين كفر وتشبيه، فتعالى الله عن هذه الصفة!
ومما يبين أن السلف كانوا يعتقدون أن كلام الله غير مخلوق، أنهم أوجبوا الكفارة على من حلف بالقرآن إذا حنث في يمينه، وقال بعض الصحابة: عليه بكل آية كفارة، سمع ابن مسعود رجلا يحلف بالقرآن، فقال: أتراه مُكَفِّرا؟ إن عليه بكل آية كفارة.
وقد أجمعوا على أنه لا يجوز الحلف بالمخلوق، ولا تنعقد به اليمين، فلو كان القرآن مخلوقا عندهم لم يجيزوا الحلف به، ولم يوجبوا على الحالف به إذا حنث كفارة، لأنه حلف بشيء مخلوق.
وأيضا من زعم أن القرآن مخلوق، فقد زعم أن اسم الله في القرآن مخلوق، فيلزمه أن من حلف بالله الذي لا إله إلا هو، لا يحنث، لأنه حلف بشيء مخلوق.
قال الإمام أحمد
_________
١ سورة طه آية: ٨٩.
٢ سورة الأعراف آية: ٥٤.
1 / 109