وقد أدمجت في الكتابة على قبر ڨنبروغ كلمة: «كان يرجي ألا تكون الأرض خفيفة عليه، ما دام قد أثقلها بقسوة بالغة في أثناء حياته.»
ويطوف هذا الفارس في فرنسة قبل حرب 1701، فيلقى في الباستيل، ويبقى فيه حينا من الزمن، وذلك من غير أن يستطيع معرفة السبب الذي جلب إليه هذا الامتياز من قبل نيابتنا العامة، ويضع في الباستيل كميدية، ومن موجبات استغرابي الشديد أنه لا يوجد في هذه المسرحية أي أثر ضد البلد الذي قاسى فيه هذه الشدة.
والمرحوم مستر كونغريڨ هو الذي نال - بين جميع الإنكليز - فخر السير بالمسرح الهزلي قدما، وهو لم يضع غير قليل من المسرحيات، ولكن كل ما وضع رائع في نوعه. وقد راعى في مسرحياته قواعد المسرح مراعاة وثيقة، فتراها زاخرة بأدق الوسوم مع الرقة المتناهية، ولا يعانى فيها أقل دعابة نابية، فتبصر فيها لغة الصالحين مع أعمال الماكرين، وهذا يثبت أنه كان حسن المعرفة بعالمه، وأنه يعيش فيما يدعى بالمجتمع الراقي، وكان مريضا - محتضرا تقريبا - عندما عرفته، ويقوم عيبه الوحيد على قلة تقديره لمهنته الأولى كاتبا لهذه المهنة التي قام عليها صيته وثروته، فكان يحدثني عن آثاره، كأنها ترهات دون مستواه، وقد قال لي عند أول حديث؛ ألا أنظر إليه إلا على قدم المساواة مع شريف يقضي حياة بسيطة، فأجبته بأنه لو كان من الشقاء ما يكون معه شريفا حصرا كغيره، ما جئت لزيارته مطلقا، وقد أوذيت بهذا الزهو الذي أتى في غير محله.
وتعد مسرحياته أكثر ما يكون ظرفا وإحكاما، وتعد مسرحيات ڨنبروغ أكثر ما يكون مرحا، وتعد مسرحيات ويشرلي أكثر ما يكون قوة.
ومما يلاحظ أنه لم يتعرض لموليار بسوء في أي من هذه اللطائف الرائعة، ولا يوجد غير أردياء كتاب الإنكليز من قال سوءا عن هذا الرجل الكبير، أجل، إن أردياء موسيقي إيطاليا هم الذين يستخفون بلولي، ولكن رجلا مثل بوينونشيني يكرمه، ويقر بمزاياه كما أن ميد أقام وزنا لإلڨسيوس وسلڨا.
وكذلك تشتمل إنكلترة على شعراء هزليين مجيدين، كالفارس ستيل والكميدي البارع مستر سبر، الذي هو شاعر للملك؛ أي حامل لهذا اللقب الذي يبدو مضحكا، ولكن مع منحه ألف إيكو دخلا سنويا والإنعام عليه بامتيازات موافقة لم يتفق مثلها لشاعرنا الكبير كرناي.
ومع ذلك فلا تطلبوا مني أن أفصل هنا دقائق هذه المسرحيات الإنكليزية التي أراني نصيرا كبيرا لها، كما أنني لا أروي لكم ملحة من ملح ويشرلي وكونغريڨ، ولا نكتة من نكته ، فما كان ليضحك بترجمة مطلقا. وإذا أردتم معرفة الكميدية الإنكليزية، فإنه ليس لديكم وسيلة لبلوغ هذا غير الذهاب إلى لندن والبقاء فيها ثلاث سنين، وتعلم الإنكليزية جيدا ومشاهدة الكميدية كل يوم، ولا أجد لذة كبيرة بمطالعة بلوتوس وأرستوفان، ولم هذا؟ ذلك لأنني لست يونانيا ولا رومانيا، فدقة اللطائف والتلميح والملاءمة أمور لا تتفق لأجنبي.
وليس أمر المأساة هكذا، فلا محل فيها لغير الأهواء الكبيرة والغباوات البطلية المؤيدة بأضاليل القصة أو الأحدوثة، فإديب وإلكتر خاصان بنا وبالإسبان والإنكليز، كما أنهما خاصان باليونان، وأما الكميدية الجيدة فهي صورة ناطقة لمهازئ الأمة، فإذا كنتم لا تعرفون الأمة معرفة أساسية، فإنكم لا تستطيعون أن تحكموا في أمر هذه الصورة مطلقا.
الرسالة العشرون
حول السنيورات الذين يرعون الآداب
صفحة غير معروفة