وكان يمكن وليم بن أن يباهي بكونه جلب إلى الأرض ذلك العصر الذهبي الذي يحدث عنه كثيرا، والذي لم يوجد في غير بنسلفانية على ما يحتمل، وقد عاد إلى إنكلترة بعد موت شارل الثاني من أجل أمور خاصة ببلده الجديد، وكان الملك جيمس يحب الابن مثل سابق حبه لأبيه، فعاد لا يعده تابعا لبدعة خامل الجاه، بل رجلا عظيم القدر، وتلائم سياسة الملك في هذا ذوقه، ويرغب في مداراة الكويكر بإلغائه القوانين التي وضعت ضد من هم غير أنغليكان قاصدا إمكان إدخال المذهب الكاثوليكي تحت ظل هذه الحرية، وتبصر طوائف إنكلترة كلها هذا الشرك، فلا تدع نفسها تقع فيه، وهي ما انفكت تتحد حيال الكثلكة التي تحسبها عدوتها المشتركة، ولكن بن لا يرى أن يعدل عن مبادئه إكراما للبروتستان الذين يمقتونه ومخالفة لملك يحبه، وبن هو الذي أقام حرية الضمير في أمريكة، فلم يكن ليرغب في القضاء عليها بأوروبة، ويبقى وفيا لجيمس الثاني، ويبدي من الوفاء له ما يتهم معه بأنه من اليسوعيين، وتؤذيه هذه الفرية كل الأذى، فيضطر إلى تسويغ موقفه بما ينشر من مقالات، ومع ذلك فإن التعس جيمس الثاني، الذي كان مزيجا من العظمة والضعف، كجميع آل ستوارت تقريبا، قد خسر مملكته من غير أن يستطاع بيان كيفية وقوع الأمر.
وتقبل جميع الطوائف الإنكليزية من وليم الثالث وبرلمانه تلك الحرية التي لم ترد تلقيها من جيمس، وكان من نتيجة ذلك أن صار الكويكر يتمتعون، بقوة القوانين، بجميع الامتيازات التي يحرزونها اليوم، ويعود بن إلى بنسلفانية بعد أن أبصر قيام نحلته في مسقط رأسه بلا معارضة، ويستقبله ذووه والأمريكيون وعيونهم تفيض من الدمع ابتهاجا كما لو كان والدا عائدا ليرى أولاده، وقد رعيت حرمة جميع قوانينه في أثناء غيابه رعاية دينية لم تتفق لمشترع قبله، وقد بقي بضع سنين في فيلادلفية، ثم غادرها على الرغم منه كيما يلتمس فوائد جديدة من لندن نفعا لتجارة البنسلفانيين، ويعيش بلندن حتى بلغ أقصى المشيب، ويعد زعيما لشعب ورئيسا لديانة، ويتوفى سنة 1718.
ويحفظ لذريته ملك بنسلفانية وحكومتها، ويبيعون الحكومة من الملك باثنتي عشرة ألف قطعة من النقود، ولم تكن أشغال الملك لتسمح له بدفع ما يزيد على ألف، وقد يظن القارئ الفرنسي أن الوزارة تؤدي إليه وعودا في مقابل بقية الحساب، ولكن شيئا من هذا لم يقع، وذلك أن التاج، إذ لم يقم بدفع جميع المبلغ في الوقت المعين، عد عقده باطلا، فعاد إلى آل بن سابق حقوقهم.
ولا أستطيع أن أتنبأ بمصير ديانة الكويكر بأمريكة، ولكن الذي أرى أنها تتوارى بلندن مقدارا فمقدارا، ومن الواقع في جميع البلدان أن الديانة المسيطرة تبتلع ما سواها إذا لم تسلك سبيل الاضطهاد، ومن الواقع أن الكويكر لا يستطيعون أن يكونوا أعضاء في البرلمان ولا أن يتقلدوا أي منصب كان لما يقتضي هذا وذاك من اليمين التي لا يريدون تأديتها مطلقا، فاضطروا لهذا السبب أن يلجئوا إلى التجارة كسبا للمال، ويريد أولادهم الذين اغتنوا بحرفة آبائهم أن يتمتعوا وأن ينالوا ألقابا وأزرارا وزخرفا على أطراف الأكمام، ويعتريهم خجل من أن يدعوا كويكر فيتحولون إلى بروتستان حتى يكونوا على الموضة.
1
الرسالة الخامسة
حول الديانة الأنغليكانية
هذا هو بلد الملل والنحل، ويذهب الإنكليزي، كرجل حر إلى السماء من الطريق الذي يروقه. ومع ذلك فإن كل واحد، وإن أمكنه أن يعبد الله كما يهوى، يرى أن ديانته الحقيقية؛ أي الديانة التي تؤدي إلى السعادة هي الديانة الأنغليكانية ذات الأساقفة، ولا يمكن أن تنال وظيفة في إنكلترة وأيرلندا ما لم يكن الطالب من الأنغليكان، وهذا السبب - الذي هو دليل واضح - أدى إلى تحويل كثير من غير الأنغليكان إلى الأنغليكانية، فبلغ الأمر من الاستفحال ما ترى معه اليوم أقل من نصف عشر الأمة خارج نطاق الكنيسة المسيطرة.
وقد أبقى الإكليروس الأنغليكاني كثيرا من الطقوس الكاثوليكية، ولا سيما أمر تناول الزكاة مع زيادة الانتباه، وتجد لدى هؤلاء الناس طموحا تقيا إلى السلطة أيضا.
وفضلا عن ذلك تجدهم يثيرون بين أتباعهم حمية دينية ضد من هم غير أنغليكان، وكانت هذه الحمية على شيء من الشدة أيام حكم المحافظين في السنين الأخيرة من عهد الملكة أنا، ولكن مدى هذه الحمية كان لا يمتد، أحيانا، إلى أبعد من تحطيم زجاج النوافذ في بيع الملاحدة؛ وذلك لأن زوبعة الفرق في إنكلترة انتهت بالحروب الأهلية، وعادت في عهد الملكة أنا لا تكون غير ضجيج أصم في بحر يظل هائجا بعد العاصفة، ولما مزق الأحرار والمحافظون بلدهم، كما صنع الغلف والجبلين بإيطالية فيما مضى، وجب تدخل الدين بين الفرق، وكان المحافظون قائلين للأنغليكانية ذات الأساقفة، وكان الأحرار يريدون إلغاءها، ولكنهم اكتفوا بالحط من قدرها عندما صاروا سادة.
صفحة غير معروفة