وقامت الأدلة على أنه لو كان الأمر على ما قلتم لكان العنبي أولى بالأمر بإذهاب الثلثين، لئلا يقربه السكر، مع أنا لم نجد فيه قط إلا أنه لو غلا حرم حتى يذهب الثلثان.
ومما يؤيد، رواية صريحة في ذلك، وسنذكرها، إذ على تقدير عدم كونها حجة لا شك في حصول ظن منها، بل وظن قوي كما ستعرف، والظن يكفي للقرينية، إذ قرائن الأخبار - غالبا - أمور ظنية ليس على اعتبارها بالخصوص إجماع أو كتاب أو سنة، بل يكفي كونها ظنا للمجتهد.
مع أن تلك القرائن غالبا صارفة عن الحقيقة والظاهر، وهذه مقوية لما هو الظاهر، سيما مع تأييد ذلك الظاهر بمؤيدات كثيرة، منها ما عرفت، ومنها ما ستعرف.
مع أن قرائن الأخبار كثيرا ما تكون أضعف مما ذكر.
ويؤيده أيضا، رواية الهاشمي " قال: شكوت إلى الصادق (عليه السلام) قراقر تصيبني... فقال: لم لا تتخذ نبيذا نشربه نحن - إلى أن قال: - ثم طبخته طبخا رفيقا حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه " (1).. الحديث.
قوله: " نشربه نحن " مع قوله: " حتى يذهب ثلثاه " فيه إشعار إلى استثناء هذا النبيذ من النبيذ الحرام، وأن المخرج له هو حكاية ذهاب الثلثين ، المعهود من الأخبار أنه المحلل للغالي.
وقول الراوي - في آخر الرواية -: " هو شراب طيب لا يتغير [إذا بقي] إن شاء الله " - مع أنه من كلام الراوي - ليس فيه ما ينافي ذلك الإشعار، بل يؤكده، لأن قوله: " طيب " معناه أنه ليس بخبيث، وقوله: " لا يتغير " يعني لا يصير
صفحة ٦٣