رسائل في اللغة (رسائل ابن السيد البطليوسي)
محقق
د. وليد محمد السراقبي
الناشر
مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م.
مكان النشر
الرياض
تصانيف
الأدب
عمرو. فلو كان الفاعل إنما يرفعه إحداثه للفعل واختراعه لم يجز ذلك كله على رأي أبي علي. والكلام فيه يطول إذا ذكرنا حجج من قال بالقول الأول ونقضناها عليهم فنحن نتركه؛ لأن في ما ذكرناه كفاية في هذا الموضع، إن شاء الله.
(فصل)
وأما السؤال الرابع، وهو قولك: كيف يترتب الكلام في هذه المسألة؟ فإن هذه المسألة لها ثلاث مراتب؛ فأحسنها أن تقول: ضرب زيد عمرًا، فتقدم الفعل، ثم الفاعل، ثم المفعول. والرتبة الثانية أن تقول: ضرب عمرًا زيدٌ، فتقدم الفعل على الفاعل ثم المفعول. والرتبة الثالثة أن تقدم المفعول على الفعل والفاعل معًا فتقول: عمرًا ضرب زيد، وهي أضعف المراتب الثلاث. وإنما كان تقديم الفعل أولًا؛ لأنك بنيت الكلام عليه، وكان تقديم الفاعل على المفعول أولًا؛ لأنه المعتمد عليه في إسناد الحديث إليه؛ ولأن الفعل لا يستغنى عن فاعل وقد يستغنى عن المفعول. وأيضًا فإن الفاعل قد يستتر في الفعل فلا يظهر نحو قولهم: زيد قام، ويتغير له آخر الفعل في قولك: قمت وضربت، ولا يتغير آخر الفعل للمفعول في قولك: ضربك وقتلك. وقد يقع حشوًا في الفعل في قولك: يضربان، ويضربون، فلما كان كذلك قبح أن يفرق بين الفعل والفاعل بالمفعول أو غيره؛ لأنهما قد حلا محل الشيء الواحد. وقد جاء الفصل بين الفعل والفاعل مع ذلك في الكلام الفصيح، فمنه ما لا يجوز إلا الفصل لعلل توجب ذلك، كقولك: ضرب زيدًا غلامه، وقوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾ [البقرة ١٢٤: ٢]. فالفاعل _ههنا_ لا يجوز فيه إلا التأخير؛ لأنه قد اتصل به ضمير يعود إلى المفعول، فإن قدمت الفاعل هنا على ما تقتضيه الرتبة كنت قد قدمت المضمر على الظاهر وذلك لا يجوز إلا في الشعر كقوله:
1 / 173