المترامي بنواحيه؛ فيا قلبي المسكين ما أنت منهما؟ لقد تعذبت بك طويلا وتقلدت منك بليتي فما تغمز بعللك ونزعاتك إلا في صميم الروح غمزا كوخز الإبر، ولا تضرب عروقي التي تستقي منك إلا على ألم تأتيني به؛ إذ كنت لا ترميني إلا بشر ما تجد من هموم الناس؛ وإذ ترى أن درس الشر والآلام إنما هو عنصر الفلسفة الأسمى، وإنما هو الفضيلة المنحلة لمن يريد أن يعلم ويرى كيف تتألف أجزاء الفضيلة في باطنها، فأنت تنتشط
15
الحزن من كل شيء وتأتيني به لأتحزن وأتألم فألمس بالحزن والألم مصراعي باب السماء، وأنت تبسط على رواق المعاني المظلمة من الآلام والأحزان لأرى في ظلماتها أشعة روحي المضيئة بالإيمان والرضا.
رضيت يا قلبي المسكين أن تجتمع من حطامي المتناثرة وأن تكون سويا تاما، وأكون أنا الجسم الحيواني أشلاء وبقايا؛
16
فإني رأيت شر أهل الدنيا ذلك الذي هو أهنأهم بمتاعها حتى كأنه في شهواته ولذاته لم يجتمع إلا من حطام قلبه المتبدد، الشهوات واللذات تبني عالما والآلام والأحزان تبني عالما آخر، وهما يتجاوران كما يلتصق حائط الليل بحائط النهار؛ وأنت يا قلبي المتألم لا تشرف على العالم الأول إلا ما يشرف النظر العالي من البعيد البعيد؛ لأنك طود باذخ رسخت جذوره في العالم الثاني.
إن الإبرة الممغنطة
17
التي تهدي السفن باتجاهها لهي القلب الذي تحمل فيه السفينة روح الأرض؛ والقلب الإنساني هو كتلك الإبرة غير أنه يحمل روح السماء، ولولا حاسة الاتجاه الإلهي فيه لتمزقت علينا جهات الأرض
18
صفحة غير معروفة