بسم الله الرحمن الرحيم والتعين بلطفه الكريم الحمد لله الذي جعل الأرض كلها مسجدا وطهورا والصلاة والسلام على من اعطى بالحرمين المحترمين مشهدا وظهورا على أله وأصحابه وأحبابه التابعين له حزنا وسرورا وبعد فقد ثبت عن أجازة صلاة الجنازة في المسجد الحرام من غير كراهة * بين هذا المقام فقلت نعم يجوز ولا يكره بل الأولى أن يصلي فيه لعدم وجود ماينافيه وفي الأدلة ما يسنده ويقويه وذلك أن الله سبحانه وتعالى جعله أول بيت تعبد الناس ومقصد الما هم على وجه الاستيناس وإبراهيم الخليل وإسماعيل الجليل بأن * الشريف الذي عظمه بأضافة التشريف للطائفين والعاكفين والركع والسجود وفي آية والقائمين والركع السجود وفي الجمع بين هذه العبادات * وضع جميع مراتب الشهود ومما يدل عليه أنه من ابتداء زمنه عليه السلام الى مانحن فيه من الأيام أجمع الناس من الصحابة الكرام والتابعين وسائر العلماء الأعلام صلوات الجنائز في هذا المقام ولم ينقل أنه كان هناك مسجدا موضوعا لجنازة الأنام وقد ثبت عن إبن مسعود رضي الله عنه مرفوعا وموقوفا أن ما راه المسلمون حسنا فهو عند الله الله حسن ومما يقومه ما أخرجه إبن عساكر عن إبن عباس قال كان لأدم بنون ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر وكان أكبرهم يغوث فقال له آدم يابني أنه الق فأن لقيت احدا من الملائكة فمره يجيني بطعام من الجنة وشراب من شرابها فانطلق فلقي جبريل بالكعبة فسأله ذلك قال أرجع فأن أباك يموت فرجعا فوجدا يجود بنفسه قوليه جبريل فجاءه بكفن وحنوط * ثم قال يابني آدم اترون ما أصنع بأبيكم فاصنعوه بموتاكم فغسلوه وكفنوه وحنطوه ثم حملوه إلى الكعبة فصلى عليه جبريل فعرف فضل جبريل يومئذ على الملائكة فكبر عليه أربعا وومتعوه مما يلي القبله عند القبور ودفنوه في مسجد الحنيف كذا في الدر المنثور في التفسير المأثور لشيخ مشايخنا الحافظ جلال الدين السيوطي قدس الله روحه وقوله حملوه إلى الكعبة يحتمل أن يكون إلى داخلها أو خارجها لكن قوله ووضعوه مما يلي القبله عند القبور يدل على أنه صلى عليه في خارجها وكأنه أراد بالقبور القبور الحادثه من الأنبياء بعد آدم في آواخر الحطيم بين الحجر الأسود والمقام وزمزم فيحتمل أنه صلى عليه عند باب الكعبة قدام القبور كما عله أهل الحرم المحترم والله سبحانه أعلم ثم لما كان هذا المسجد المعظم والمعهد المكرم قبلة لجميع العالم ناسب أن يكون وضعه لجميع عبادات أولاد آدم من صلوة الجماعة والجمعة والعيدين والخسوف والكسوف والاستسقاء والجنازة وغيرها من العبادات كما يشير إليه قوله تعالى أنما يعمر مساجد الله بصيغة الجمع المراد به المسجد الحرام الذي جعله للناس سواء في سائر الأحكام وهو لاينافي ماقيل في نكته الجمع من كونه قبلة المساجد وأن كل جهة من جهاته مسجد بل كل جزء من اجزائه مشهدا ولأنه أكبر المساجد وضعا وشرعا فجمع تعظيما وشرفا وأما مسجد المدينة السكينة فلا شك أنه موضوع في أصله للجمعة والجماعة لاغير بدليل أنه عليه السلام كان يصلي العيد في محلاه ويصلي على الجنائز في محله الموضوع لها الا ما وقع نادرا كما سيأتي وهو أما لعذر أو لبيان الجواز فدل على أن صلاة الجنازة في غير مسجد المدينة ونحوها أفضل وهذا عند ايمتنا الحنفية خلافا للعلماء الشافعية حيث عكسوا القضية ولا نقول أن اتساع المسجد تسبب للجواز لئلا يرد علينا نحو مسجد الأقصى مع أنا رايناه كذلك يصلي جميع الصلوات فيه من العيدين والجنازة وغيرهما والمسجدان الشريفان من بناء الله تعالى كما في الصحيح فلا معنى لقول متفقه من اين لنا أن مسجد الحرام بنى لجميع الصلوات فأن الأصل فيه الأطلاق حتى يثبت دليل الخصوص نعم كبر المسجدين حادث بعده عليه السلام فلا يصح أن يكون علة في هذا المقام والتحقيق في مسجد المدينة أيضا أنه بنى لجميع الصلوات ولهذا ثبت صلاة الجنازة فيه أحيانا وكذا صلى عمر العيد فيه بعذر المطر ولولا أنه ثبت خروجه عليه السلام في أكثر الأوقات للجنازة والعيدين لقلنا أن أداءهما في المسجد الشريف أفضل والحاصل أنه ليس الاعتبار بالسعة كما قاله بعض الشافعية فأن المسجد إذا كان يسع لأهل الجمعة مع كونها فرضا وأهلها أكثر فكذا يسع للجنازة بالأولى فلابد للخروج منه سوى هذه العله عله اخرى وقد اغرب متفقه في تعلقه باطلاقات عبارات الأصحاب لأن هذا شأن أهل التقليد لا التحقيق والتأييد ومما يؤيد مذهبنا ما في صحيح مسلم أنه لما توفي سعد بن أبي وقاص قالت عائشة ادخلى به المسجد حتى أصلي عليه فانكر ذلك عليها فقالت والله لقد صلى النبي عليه السلام على ابنى بيضاء في المسجد سهيل وأخيه وحيث أنكر الصحابه والتابعون عليها ولم تذكر عذرا لا في فعلها ولا في فعله عليه السلام دل على الجواز ويحمل انكار بعضهم عليها لترك الأفضل فتدبر وتأمل ومما يدل على الجواز من غير الكراهة ما أخرجه البيهقي بسنده عن عائشة قالت ماترك أبو بكر دينارا أولا درهما ودفن ليلة الثلاثاء وصلى عليه في المسجد وما في موطأ مالك عن نافع عن إبن عمر قال صلى على عمر في المسجد وما فيها أسند عبد الرزاق أن الثوري ومعمر عن هشام بن عرف قال رأى اي رجالا يخرجون من المسجد ليصلوا على جنازة فقال مايمنع هؤلاء والله ماصلى على أبي الا في المسجد فهذا كله يدل على الجواز فيه وهو بأن * أن خارجه أفضل وفي الثواب أكمل وأماما روى أحمد وأبو داود وإبن ماجه والطحاوي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى على ميت في المسجد فلا أجر له فقد تكلم في اسناده مع أنه مضطرب المتن أو في رواية فلا شيء له وروى فلا شيء عليه بل قال إبن عبد البر رواية فلا أجر له خطأ فاحش والصحيح فلا شيء عله وفي الغاية للسروجي أن لفظ لا أجر له لم يقع في كتب الحديث وقال إبن العربي في مشكلات الهداية الصحيح من الرواية فلا شيء له أقول وعلى تقدير صحة الحديث فيحمل على أنه لا أجر له كاملا حيث ترك ما كان فاضلا مع أن سلب الأجر لا يستلزم ثبوت استحقاق الوزر بجواز الاباحة المستفادة من قوله فلا شيء عليه أو فلا شيء له من الفضيلة لديه فالقول بالكراهة التحريمية لا وجه له وغاية الامر أنه * الكراهة التنزيهية إذ ليس هو نهيا غير مصروف ولاقرن الفعل بوعيد لظني كما حققه الأمام إبن الهمام ويؤيده أنه ورد صيام يوم السبت لا لك ولا عليك مع أنه لم يقل أحد بكراهته وحرمته بل هو محمول على خلاف الأفضل فتأمل فقول الخلاصه مكروه سواء كان الميت والقوم في المسجد أو كان الميت خارج المسجد والأمام والقوم في المسجد أو كان الامام مع بعض القوم خارج المسجد والقوم الباقون في المسجد أو الميت في المسجد والأمام والقوم خارج المسجد محمول على الكراهة التنزيهية ثم قوله هنا في الفتاوى الصغرى قال هو المختار خلافا لما أورده النسفي يشير إلى أن هذا اختيار بعضهم على خلاف ما اختاره النسفي ومن تبعه حيث لايقولون بالكراهة مطلقا ويجوزونه بالاباحة كما هو رواية عن أبي يوسف وأما قول إبن الهمام تبعا لبعض الأعلام وهذا الأطلاق في الكراهة بناء على أن المسجد أنما بنى للصلاة المكتوبة وتوابعها من النوافل والذكر وتدريس العلم ونحوها من الكلام فخارج عن تحقيق المقام لأنه إذا حوز فيه النوافل فبالأولى تجويز فرض الكفاية وإذا جوز الذكر والتدريس اللذان لايدخلان في مفهوم الصلاة فبالأولى تجويز ما يطلق عليه اسم الصلاة في الجملة كظاهر قوله تعالى وصل عليهم أن صلاتك سكن لهم وكقوله عز وعلا ولا تصلى على أحد منهم مات * الحمير في * للصلاة المكتوبة إلى آخره غير مستفاد من الشرع بل مأخوذ من علماء الفرع وإنما الوارد ما رواه مسلم أن رجلا * في المسجد فقال من دعا إلى الجملة الآخر فقال عليه السلام لا وجدت أنما بنيت المساجد لما بنيت له * الصلاة والذكر والقراءة والدعاء وأمثاله وفي رواية فأن المساجد لم تبنى لهذا اي لهذا أو نحوه فالعلم أنما صدرت من صاحب الشريعة ليعلم الأمة جهة المنع من طريق السنة المتبعة ثم قيل ويدخل في هذا كل امركم بين المسجد له من البيع والشراء ونحو ذلك لكلام الدنيا وانتفاعها من الخياطة والكتابة بالاجرة وتعليم الاولاد ونحوها وكذا ما يشغل المصلي ويشوش عليه حتى قال بعض علمائنا رفع الصوت ولو بالذكر في المسجد حرام بل قال بعضهم أنه يحرم أعطاء السائل المتعرض برفع صوت أو الحاح ومبالغة أو بمجاوزة صف وخوة على رقبة اي في حال الخطبه وكان بعض السلف لايرى ان يتصف على المسائل المتعرض في المسجد بل قال خلف بن أيوب لو كنت قاضيا لم أقبل شهادة من تصدق عليه وقال إسماعيل * هذا فلس واحد يحتاج إلى سبعين فلسا للكفاك وقد يود من ادرج صلاة الجنازة في ذيل هذه الأشياء من الكراهه أو الحرمه ولم يجعلها في الأمور المباحة المجازة ثم من جملة المنكرات قعود الفقراء ملتصقين بجدار الكعبة ومتضيقين على طائفة الطائفين ومشوشين على جماعة الذاكرين والداعين ويشاركهم في اثمهم من يحسن إليهم ومن لايخرجهم من اولى الأمر منهم كمشايخ الحرم والمشدين وغيرهم ممن يقدر عنهم وأما قول إبن الهمام وقد يقال أن الصلاة نفسها سبب موضوع الثواب فسلب الثواب مع فعلها مالا يكون الا باعتبار ما يقرب بها من أثم تقادم ذلك الثواب وفيه نظر لايخفى كما به قوله انتهى ولعل وجه النظر أن الثواب يجتمع مع اداء الصلاة على وجه التحريم المحض فبالاولى أن يجتمع الكراهة التنزيهية أو التحريمية خلافا للشافعية القابلة بان الثواب لايجتمع مع الكراهة حتى قالوا من قطع الصف فليس له ثواب الجماعة وقال بعض فقهائها بعدم الكراهة إذا كان الميت خارج المسجد بناء على أن الكراهة لاحتمال تلويثه وهذا واضح جدا ولعل هذا وجه اختياره عليه السلام في غالب الإمام اداء صلوة الجنازة خارج المسجد وهو يشير إلى أنها في المسجد كراهة تنزيه لأن أحتمال التلويث لم يبلغ الى حد كراهة التحريم إذ الاحتمال واقع في أصحاب الأعذار وغيرهم حتى أهل الفعال ولم يقل أحد أن دخولهم في المسجد مكروه أو حرام لاحتمال التلويث بما هم فيه من العذر فالاستدلال بالاحتمال على كراهة التحريم مستبعد من أهل الكمال مع أن لنا مدة مديدة في المسجد الحرام ولم نر قط أنه تلوث بالجنازة ثم العجب من المحقق أنه عبر عن هذا التأويل بقوله وقيل ثم قال وما قيل لو كان عند أبي هريرة وهو راوي الحديث علم هذا الخبر لرواه ولم يسكت يعني عند كلام عائشة مدفوع بان غاية ما في سكوته مع علمه كونه سوغ هو وغيره الاجتهاد والأنكار الذي يجب عدم السكوت معه هو المنكر العاصي من قام به لا الفصول المجتهد فيها وهم رضي الله عنهم لم يكونوا أهل لجاج خصوصا مع من هو أهل الاجتهاد انتهى ولا يخفى أنه إذا وقع الخلاف بين المجتهدين في الجواز والانكار يجب على من يكون عنده علم من الأخبار ليظهر به ترجيح الأبرار والا فيكون داخلا في ذم كتم العلم مع القدرة والأختيار والأظهر أن خروجه عليه السلام لصدق الجنازة كان للاشاعه وكثرة الجماعة فخروجه عليه السلام كان بمنزلة الأذان في صلوات الأيام ففي الصحيحين عن أبي هريرة أنه عليه السلام نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم الى المصلى فصف لهم وكبر أربع تكبيرات فهذا يرد ما عللوه من التلويث وكان موضع الجنايز قرب المسجد على مافي البخاري وحكى إبن الهمام عن إبن حبيب أن مصلى الجنايز بالمدينة كان لاصقا بالمسجد النبوي من ناحية المشرق فيستفاد منه أن ما وقع من الصلاة على بعض الجنايز في المسجد كان لأمر عارض أو لبيان الجواز وهو الأظهر لأن ما ذكره بعضهم من مطر وأعتكاف فليس في محله لأن صلاة الجنازة فرض كفاية فلا يرتكب الكراهة لأجلها مع سقوطها عنه بغيره وحديث عائشة ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء الا في المسجد أخرجه مسلم فانكار من انكر عليها من عدم الأطلاع على ما كان لديها وأما قول بحسن فقائها اجمعت الصحابة على انكارهم عليها فلا يعرف له أصل وكذا قول بعضهم أنه منسوج أجمع الصحابة على الأنكار فأنه على تقدير أنكار لجميع لايثبت به الفسخ مع اتفاقه الصحابة على جنازة الحسين في المسجد وأما كلام الإمام محمد بن الحسن في موطائه لا يصلي على جنازة في المسجد وكذلك لمعنا عن أبي هريرة وموضع الجنايز بالمدينة خارج من المسجد وهو الموضع الذي كان النبي عليه السلام يصلي على الجنازه فيه وإنما يفيد كون الصلاة في مسجد الجنازة أولى لكونه عليه السلام أكثر أوقاته لم يصل في المسجد وإذا ثبت فعله وكذا فعل أصحابه بعده دل على جواز وقوعه بلا كراهة وهذا * التحقيق والله ولي التوفيق وقد أغرب الأتقاني في قوله وما روى في الصلاة على الشيخين لا حجة فيه للحصر لاحتمال أن يكون المسجدين لصلاة الجنازة أو كان ذلك لعذر بالغرابة تتعلق لاحتمال بالأول فتأمل وأغرب من هذا قول الثلجي في السبب الموجب للمنع أنه لاجل الحديث لا لأجل نجاسة ثبتت بالموت وقال الجرجاني وغيره من العراقيين موجبة نجاسة الموت لا الحديث قال وهو أقرب إلى القياس انتهى وصلاته عليه السلام وصلاة عائشة والصحابة الكرام على الشيخين يرده كما لايخفي وأغرب منه قول أبي شجاع إذا وضع الميت خارج المسجد وأقام الإمام خارجا منه ومعه صف وسائر الناس في المسجد فصلوا عليه الصحيح أنه يكره لأن فيه خلاف أجماع الأمة انتهى فكأنه لم يعد غير الحنفية من الأمة مع أن الخلاف ثابت بينهم أيضا كما لايخفي بل قال الاتقاني في غاية البيان ناقلا عن تتمة الفتاوي إذا كان الجنازة والأمام في المسجد فالصلاة مكروهة باتفاق أصحابنا وإذا كانت الجنازة والإمام وبعض القوم في المسجد فالصلاة غير مكروهة بالاتفاق وأن كانت الجنازة وحدها خارج المسجد فقد أختلف المشايخ فيه يعني بناء على اختلاف العلتين المشهورتين ومنشأ هذا الأختلاف كون في الحديث طرفا للصلاة أو للميت كما بينه الجدادي شارح القدوري في السراج الوهاج ولا يخفى أن مثل هذا من تعلقات ليس لها الرواج والشاح ثم التحقيق ما آل كلام إبن الهمام فيه إلى أن قال وأعلم أن الخلاف يعنى بين الحنفية والشافعية أن كان في أن السنة هو أدخاله المسجدان لا فلا شك في بطلان قولهم ودليلهم لا يوجبه لأنه قد توفى خلق المسلمين بالمدينة فلو كان المسنون الأفضل أدخالهم ولو كان كذلك لنقل لتوجه من تخلف عنه من الصحابة إلى نقل أوضاع الدين في الأمور خصوصا الأمور التي يحتاج إلى ملابستها البنه ومما يقطع بعدم مستويته أنكارهم وتخصيصها في الرواية بابني بيضاء إذ لو كان سنه في كل بيت ذلك وكان هذا مستقرا عندهم لم يكونوا ينكرونه لأنهم كانوا حينئذ يتوارثون ولقالت كان عليه السلام يصلي على الجنائز في المسجد وأن كان أي الخلاف بين المذهبين في الأباحة وعدمها فعندهم مباح وعندنا مكروه فعلى تقدير كراهة التحريم يكون الحق عدمها كما ذكرنا على كراهة التنزيه كما اخترناه فقد لا يلزم الخلاف لأن مرجع التنزيهية إلى خلاف الأولى فيجوز ان قولوا أنه مباح في المسجد وخارج المسجد أفضل فلا خلاف حينئذ وذلك قول الخطابي ثبت أن أبا بكر وعمر صلى عليهما في المسجد ومعلوم أن عامة المهاجرين والأنصار شهدوا الصلاة عليهما وفي تزكهم الأنكار دليل الجواز وأن ثبت حديث أبي هريرة فيتناول على نقصان الأجر أو يكون اللام بمعنى على لقوله تعالى وان اساتم فلها انتهى والمعنى أن رواية فلا احوله على تقدير ثبوته محمول على تقي الكمال ورواية ولا شي له بمعنى لا شيء عليه كما في رواته أو لمعنى لاشيء له من الفضيلة وأما قوله تعالى وأن اسأتم قبها فلا يصلح أن يكون شاهد الما نحن فيه لانها وقعت بطريق المشاكل بقوله سبحانه انه احسنتم احسنتم لانفسكم مع انه يصح في الآية ان تعال اللام فيها للاختصاص اي فالاساء مختصه لها لا يتجاوز عنها الى غيرها كقوله تعالى ولا تزر وازره وزر اخرى وأما قول إبن الهمام والمروي من صلاتهم على أبي بكر وعمر في المسجد ليس صريحا في انهما ادخلا فيه لجواز أن يوضع خارجه ويصلى عليه من فيه إذا كان عند بابه موضع لذلك انتهى ولا يخفى بعد هذا الاحتمال من جهة العقل فانه لو كان ثابتا لاخبر من طريق النقل على أن الصلاة عليهما وما خارجه ينافي القول بالكراهة لعله كون المسجد وضع لغيره صلاة الجنازة وقد روى إبن أبي شيبة غيره أن عمر صلى على أبي بكر في المسجد وأن صهيبا صلى عمر في المسجد زاد في رواته ووضعت الجنازة في المسجد تجاه المنبر وهذا يقتضي الأجماع على جواز ذلك ثم قوله ولو سلم فيجوز كونهم انحطوا إلى الأمر الجائز لكون دفنهم كان بحذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكان المسجد محيط به فيه نظر طاهر إذ حاصله أنه كان الصلاة عليهما في المسجد بحذر وهو مدفوع بانه كان يمكن لهم أن يصلوا عليهما في مسجد الجنازة ثم ادخلا في المسجد ودفنا معه عليه السلام ففي الجمله القول بالتحريم باطل سواء قيل العله تلويث المسجد أو عدم بنائه لهذه الصلاة لثبوت صلاته عليه السلام وصلاة أصحابه الكرام على الشيخين وأدخالهما في المسجد الشريف وامرارهما الى الضريح المنيف وفيما ذكرناه دليل قاطع في أن سننه * المستعمره في مسجد المدينة المعطره لم يكن أدخال المولى في المسجد في الحالات المستقرة بخلاف المسجد الحرام والله سبحانه أعلم بحقيقة الحرام وقد تبين أن من أوصى من صلحاء الكرام أنه لايصلي عليه في المسجد الحرام فقد حرم عن فضيلة المقام لعدم معرفته على وجه التمام وكذا تبين جهل من لا أمام له بهذا الكلام حيث لايصلي على الجنازة في مسجد المدينة أو المسجد الحرام بعد ادخالها فيهما فأن أهل الكراهة متوجه إلى أخال الجنازة * يكون بعلة تلويث المسجد أو كون لم يبين لها على القول به وأما بعد تحقق دخولها فلا معنى للامتناع عن الصلاة عليها مع أنه عليه السلام صلى على إبن البيضاء وعائشة صلت على سعد بن أبي وقاص وصلى المهاجرون والأنصار على الشيخين رضي الله عنهم ثم أعلم أنه لم ينقل عن ائمتنا من الإمام الأعظم وأصحابه نص في التحريم ولا في الكراهة في هذه المسئلة وإنما المشايخ عللوا بعلل حسب * من غير تحقيق مسند وتدقيق معتمد ولهذا وقع لهم الأضطراب في عللهم وأحكامهم فرجعنا إلى ما ورد في أمر المسلم من أحكام السنة لقول الأمام أحمد خذوا عملكم من حيث أخذه الأمور ولا تعتقدا بالتقليد كان ذلك محمى في البصيرة والحاضر أن مايقوله ائمتنا المتقدمين فعلى الرأس * فقلدهم بكونهم أعلم منا بيقين وأما المشايخ فهم رجال ونحن رجال علم أنه صح عن أبي حنيفة لايحل لأحد أن يقول بقولنا مالم يعلم أنا من أين قلنا فرضى الله من حيث * على ان الواجب على الأمة كان من الايمة والعامة متابعة الكتاب والسنة فمن جاوزهما فقد وقع في الكفر أو البدعه فصل فما يتعلق بهذا المقام من تحقيق بعض الأحكام منها قول بعض مشايخ ما وراء النهر منهم القاضي أو المعالي مفتي أهل بلخ أن من رأى جنازة صار صلاتها فرض عين عليه ونقل عن بعض الفتاوي لكن مشايخنا في زمانه فتشوا عنها لتحقيق كلامه وتصديق شأنه فلم يروه منقولا ولم يظهروا له وجها معقولا الا أنه يخطر ببالي أنه على تقدير صحة روايته لابيه وان يتكلف في تحقيق درايته بأن يقال لاشك ولا ريب ان صلاة الجنازة فرض كفاية بالاجماع كما هو مقرر بادلته في محله من غير النزاع فيجب حمله على أن المراد به أن من راى الجنازة أو الميت تعين عليه فرض صلاته وكذا تجهيزه وتكفينه ودفنه إذا كان هو واياه في صحراء أو قرية فرضا وكذا إذا كان جماعة من أهل بلد اطلعوا على ميت وباقي أهل البلد لم يعرفوه فأن لم يصل عليه أحد فيكون الجماعة المطلعون هم المتعينين بالأثم حيث تركوا الصلاة عليه مع العلم بخلاف سائر أهل البلد والا فلو قلنا بعموم الأثم على جميعهم يلزم منه حرج عظيم وقد قال تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج ومنها ينبغي أن يقرأ المصلي على الجنازة سورة الفاتحة للخروج عن الخلاف فأنه مستحب بالأجماع لاسيما إذا كان أماما فأنه حسد يكون باعث النزاع في صحة اقتداء الشافعي ومن له من الاتباع ففي قاضي خان ويدعو في صلاة الجنازة بالادعية المعروفة ولا يقرأ فاتحة الكتاب وأن قرأها بنية النشا فلا بأس به وإن قرأها بنية القراءة كره ذلك انتهى وهو محمول على الكراهة التنزيهية التي هي خلاف الأولى كما لا يخفى والا فلم يرد نهى مقصود عن القراءة فيها نعم لم يثبت القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها إذ كل ما لم يثبت فعله عليه السلام لم يلزم منه أن يكون حراما أو مكروها بل يتوقف حكمهما على نهى قطعي أو ظني وبهذا يتبين أن القراة في الطواف لاكره نعم الأفضل ما ورد في السنة من الأدعية الثابتة وهذا أيضا في الا طوفه الواجبة والا فأمر النوافل مبني على التوسعة بل أقول أنه عليه السلام إنما لم يقرأ في الطواف لئلا يتوهم كونه فرضا أو واجبا أو سنه موكدة فحرم من حصوله العوام فكان يزكه هذا ارحمن للانام مع أنه قد قرأ من الركن اليماني والمقام آية ربنا اتنا بينة على ما قلنا وما ابعد من حمله على قصد الدعاء دون القراءة ومن ابن له معرفة هذه البينه على ان الجمع بينهما هو الأولى فأنه نور في المقام الأعلى هذا وفي موطأ مالك عن نافع أن إبن عمر كان لايقروها في الصلاة على الجنازة وروى عن إبن مسعود أنه عليه السلام لم يوقت شيئا من الغزاة في صلاة الجنازة وبه قال مالك لكن روى الحاكم في مستدركه عن إبن عباس أنه إذا صلى على الميت كبر وقرأ الفاتحة ويعيد حمله على قصد الثناء مع أن عموم قوله عليه السلام لا صلاة الا بفاتحة الكتاب شاملة لها أيضا والله أعلم بالصواب ومن الغريب ما ذكره قاضي خان عن شمس الأمة الحلواني أن من أصحابنا من قال قراءة الفاتحة في الشفع الثاني من ذوات الأربع على وجه الدعاء أو الثناء لا على وجه القراءة انتهى ووجه غرابته لاتخفي إذ ثبت أنه عليه السلام كان يقرأ الفاتحة في الشفع الثاني ولا يصح حمله على قصد الثناء والدعاء من غير موجب فتحرر أن الأحوط قراءة الفاتحة لأن في تركها بطلان الصلاة عند الشافعية وفي قرأتها كراهة الصلاة عند الحنفية ففعلها أهون منتركها ومنها أن * الجنازة اركان عندنا فاذا سلم الإمام محب على المسبوق ان يأتي بما عليه ثم يسلم وإنما ذكرت ذلك لأن كثيرا من السفراء بل من الفقهاء لأنهم يكونون مسبوقين وإذا سلم الإمام سلموا معه من * ومنها أنه إذا أدرك أول التكبير من صلاة الجنازة ولم يكبر حين كبر الإمام كبر هو ولا ينتظر التكبيرة الثانية لأن محلها قائم فأن لم يكبر حتى كبر الإمام كبر الثانية مع الإمام ولم يكبر الأولى حتى يسلم الإمام لأنه لو كبر للاولى كان قضاء والمعدى لا يستقل بقضاء ما سبق قبل فراغ الإمام وأن لم يكبر مع الإمام حتى كبر الإمام أربعا كبر هو للافتتاح قبل أن يسلم الإمام ثم يكبر ثلاثا قبل أن يرفع الجنازة متتابعا لادعاء فيها فاذا رفعت الجنازة من الأرض قطع التكبير فأن كبر مع الإمام التكبيرة الأولى ولم يكبر الثانية والثالثة يكبرها ثم يكبر مع الإمام فأنه حينئذ لاحقا مسبوق وإذا كبر الإمام على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين فجاء رجل لايكبرها الرجل حتى يكبر الإمام يكبر معه للافتتاح ويكون مسبوقا بما كبر الإمام قبله بخلاف من كان حاضرا قائما في الصف ولم يكبر للافتتاح مع الإمام تغافلا أو كان في النية فأنه يكبر ولا ينتظر تكبيرة الإمام وإذا كبر الإمام في صلاة الجنازة خمسا فعن أبي حنيفة روايتان والمختار أن لايتابعه في التكبيرة الخامسة وينتظر فإذا سلم الإمام سلم معه ومنها أن بعد غروب الشمس سدا بالمغرب صم بصلاة الجنازة ثم يسنه المقرء وجازت الجنازة عند الغروب والطلوع والأستواء إذا حضرت في تلك الساعة لكن التأخير أفضل فتأمل ومنها أنه إذا صلى امام الشافعية على الغائب يجوز للحنفي أن يقلد ويصلى معه لكن يشرط أن يقرأ فيها الفاتحة فأنها ركن عندهم ويكون أيضا مراعيا لهم في فرايض الوضوء ونواقضه ومنها أنه ورد اكرام الميت دفنه ويؤيده قوله تعالى ولقد كرمنا بني أدم وقوله عز وعلام اماته فاقبره أي امر بدفنه قال السخاوي لم أقف عليه مرفوعا وإنما أخرجه إبن أبي الدنيا من جهة أيوب السختياني قال كان يقال من كرامة الميت على أهله تعجيله إلى حفرته ويشهد له حديث اسرعوا بالجنازة قال وقد عقد البيهقي بابا لاحتساب تعجيل تجهيز الميت إذ أبان موته واورد فيه ما رواه الطبراني بسنده مر * مسلم أن * بين ظهر أني أهله الحديث وللطبراني في حديث ابن عمر مرفوعا إذا مات أحدكم فلا تحسوه واسرعوا به إلى قبره وفي لفظ من مات في بكره فلا يقيلن الا في قبره ومن مات عشية فلا يبيتن الا في قبره ثم قال السخاوي وأهل مكة في غفلة من هذا فأنهم غالبا يجيئون بميتهم بعد الظهر أو وقت * في البحر وقد يكون مات قبل الوقتين لكثير فيضعونه عند الكعبة حتى يصلى الصبح أو العصر ثم يصلى عليه قال الخطاب ولقد صدق رحمه الله في انكار ذلك وقد كان ينكر ذلك عليهم شيخنا العارف بالله محمد بن عراق قلت وقد يعتذر لأهل مكة في تأخيرهم أنه من أجل اجتماع المسلمين للصلوة وتشييع الجنازة لاسيما في الازمنة الجارة والله أعلم بالمقاصد الحسنه والبدع المتحسنة فالله سبحانه أسأله أن يوفقني لمرضاته في الحياة ويتوب على عند حلول الممات ويرحمني وسائر المؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والأموات وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
نقلته من خط مؤلفه ... ... ... عاملنا الله بتلطفه
صفحة ١٨