رسائل المقريزي
الناشر
دار الحديث
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٩ هـ
مكان النشر
القاهرة
«بعضها» كقوله تعالى ... وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ...
«١» يريد به «البعض»؛ والسّبل: الطرق، واحدها: سبيل، وأضافها سبحانه إليه؛ لأنه الذى خلقها وقد أذن النّحل في سلوكها، أى تدخل طرق ربّها لطلب الرّزق في الجبال، وخلال الشّجر.
وذلّل لها الطرق: أى سهّلها، تقول: «سبيل مذلّل»: أى سهل سلوكه، وقد يكون (ذللا): حالا من النّحل، أى تنقاد، وتذهب حيث شاء صاحبها، وذلك أنها تتبع أصحابها حيث ذهبوا، وتقف موقف يعسوبها، وتسير بمسيرة «٢» .
و(ذللا) جمع ذلول وهو المنقاد: أى المطيع.
ثم عدّد تعالى على خلقه ما أنعم به عليهم من العسل الذى يخرج من النّحل، فإن في خروجه منها عبرة، فقال سبحانه: ... يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ ...
يعنى: العسل، فإنه من أفواه النّحل، لدلالة القرآن على أنها ترعى الزّهر، فيستحيل في أجوافها عسلا، ثم تلقيه من أفواهها فيجتمع منه القناطير المقنطرة.
روى عن علىّ بن أبى طالب- رضى الله عنه- أنّه قال- وقد حقّر الدنيا:
«أشرف لباسها لعاب دودة، وأشرف شرابها رجيع نحلة»، وفي رواية: «إنما الدنيا ستة أشياء: مطعوم، ومشروب، وملبوس، ومركوب، ومنكوح، ومشموم؛ فأشرف المطعوم: العسل، وهو مذقة ذباب. وأشرف المشروب: الماء، ويستوى فيه البرّ والفاجر. وأشرف الملبوس: الحرير، وهو نسج دودة. وأشرف المركوب: الفرس، وعليها تقاتل الرجال. وأشرف المشمومات: المسك، وهو دم حيوان. وأشرف المنكوحات: فرج المرأة، وهو ميال» «٣» فقال قوم: «هذا يدل على خروج العسل من غير أفواه النحل» .
وقال قوم: «لا ندرى أيخرج من أفواهها أو من أسافلها، غير أنّه لا يتم
1 / 304