وإذ قد ذكرنا طرفا من أصل الهندسة الحسية شبه المدخل والمقدمات، وقلنا: إن هذا العلم يحتاج إليه أكثر الصناع فلنبين ذلك، وهو التقدير قبل العمل؛ لأن كل صانع يؤلف الأجسام بعضها إلى بعض ويركبها فلا بد له أن يقدر أولا المكان في أي موضع يعملها والزمان في أي وقت يعملها ويبتدئ فيها والإمكان هل يقدر عليه أم لا وبأي آلة وأدوات يعملها وكيف يؤلف أجزاءها حتى تلتئم وتأتلف، فهذه هي الهندسة التي تدخل في أكثر الصنائع التي هي تأليف الأجسام بعضها إلى بعض.
واعلم أن كثيرا من الحيوانات تعمل صنعة طبيعية قد جبلت عليها بلا تعليم كالنحل في اتخاذها البيوت، وذلك أنها تبني بيوتها مطبقات مستديرات الشكل كالأتراس بعضها فوق بعض وتجعل ثقب البيوت كلها مسدسات الأضلاع والزوايا لما في ذلك من إتقان الحكمة؛ لأن من خاصية هذا الشكل أنه أوسع من المربع والمخمس وأنها تكشف تلك الثقوب حتى لا يكون بينها خلل فيدخل الهواء فتفسد العسل فيعفن، وهذا مثال ذلك: .
وهكذا العنكبوت تنسج شبكتها في زاويا البيت والحائط شفقة عليها من تخريق الرياح وتمزيق حملها، وأما كيفية نسجها فهو أن تمد سداها على الاستقامة وخيوط لحمتها على الاستدارة؛ لما فيه من سهولة العمل، وهذا مثال ذلك: .
ومن الناس من يستخرج صناعة بقريحته وذكاء نفسه لم يسبق إليها، وأما أكثر الصناع فإنهم يأخذونها توقيفا وتعليما من الأستاذين.
فصل
واعلم يا أخي أيدك الله وإيانا بروح منه؛ أن علم الهندسة يدخل في الصنائع كلها وخاصة في المساحة وهي صناعة يحتاج إليها العمال والكتاب والدهاقين وأصحاب الضياع والعقارات في معاملاتهم من جباية الخراج وحفر الأنهار وعمل البريدات وما شاكلها.
ثم اعلم بأن المقادير التي تمسح بها الأراضي بالعراق خمسة مقادير، وهي الأشل والباب والذراع والقبضة والأصبع، واعلم بأن الأصبع الواحدة غلظها ست شعيرات مصفوفة مضمومة ظهور بعضها إلى بطون بعض والقبضة الواحدة أربع أصابع والذراع الواحدة ثماني قبضات، وهو اثنان وثلاثون أصبعا والباب طوله ست أذرع وهي ثمان وأربعون قبضة وهو مائة واثنان وتسعون أصبعا والأشل حبل طوله عشرة أبواب وهو ستون ذراعا وأربعمائة وثمانون قبضة وألف وتسعمائة وعشرون أصبعا.
واعلم بأنك إذا ضربت هذه المقادير بعضها في بعض، فالذي يخرج منها يسمى تكسيرا، فإذا جمعت فيكون منها جريبات وقفيزات وعشيرات، وأما حسابها فهو أن القبضة الواحدة في مثلها تكون ستة عشر أصبعا والذراع الواحدة في مثلها تكون أربعا وستين قبضة مكسرة وألفا وأربعة وعشرين أصبعا مكسرة وهو تسع ربع عشر عشير الجريب والباب الواحد في مثله يكون ستا وثلاثين ذراعا مكسرة، وهذه صورتها 36 وهو 2304 قبضات مكسرة وهو 36864 أصبعا مكسرة، وهو عشر عشير الجريب.
وأما الأشل في مثله فيكون جريبا وهو عشرة أقفزة وهو مائة عشير، وهذه صورتها 3600 ذراع مكسرة وهو 230400 قبضة مكسرة وهو 3686400 أصبعا مكسرة، وأما القفيز فهو عشرة أعشار وهو عشرة أبواب مكسرة، وهو من ضرب تسعة عشر ذراعا إلا شيئا يسيرا في مثله وهو ثلاثمائة وستون ذراعا، وأما العشير فهو من ضرب باب واحد في مثله وهو 36 ذراعا مكسرة وهو 2304 قبضات مكسرة وهو 36864 أصبعا مكسرة، والأشوال في الأشوال واحدها جريب وعشرتها عشرة أجربة، والأشوال في الأبواب واحدها قفيز وعشرتها جريب، والأشوال في الأذرع واحدها عشير وثلثا عشير وست منها قفيز، والأشل في القبضات واحدها سدس عشير وربع سدس عشير وكل ثلاثة أخماس منها عشير، وكل 36 منها قفيز والأشل في الأصابع كل واحد منها ربع سدس عشير وربع ربع سدس عشير وكل عشرة منها ربعا عشير وسدس ثمن عشير.
والأبواب في الأبواب واحدها عشير وعشرتها قفيز والأبواب في الأذرع واحدها سدس عشير وستة منها عشير، والأبواب في القبضات كل واحد منها ثلاثة أرباع ربع تسع عشير، والأبواب في الأصابع كل خمسة وثمانين منها ثلث عشير وربع سدس عشير وتسع عشير تقريبا، وكل أربعة منها ثلاثة أرباع وتسع عشير وكل مائة ثمان وعشرين منها ثلثا ثلث عشير والأذرع في الأذرع واحدها ربع تسع عشير، وكل أربع منها تسع عشير وكل مائة منها عشيران وثلثا عشير وتسع عشير.
صفحة غير معروفة