131

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

تصانيف

(1) فصل في أنولوطيقا الأولى

اعلم يا أخي بأن كل قضيتين إذا قرنتا ووجب عنهما حكم آخر، سميت القضيتان مقدمتين، وسمي ذلك الحكم نتيجتهما، مثال ذلك إذا قيل: كل إنسان حيوان، وكل حيوان نام، فينتج من هاتين أن كل إنسان نام.

واعلم بأن المقدمتين لا تقترنان إلا أن تشتركا في كل حد واحد، وتتباينان بحدين آخرين، وذلك الحد لا يخلو من أن يكون موضوعا في إحداهما ومحمولا في الأخرى، أو يكون محمولا في كلتيهما أو يكون موضوعا فيهما جميعا، فإن كان موضوعا في إحداهما، محمولا في الأخرى يسمى ذلك الشكل الأول، وهو مثل قولك: كل إنسان حيوان وكل حيوان متحرك، فالحيوان هو الحد المشترك في المقدمتين جميعا، محمولا في الأولى، موضوعا في الأخرى، وإن كان محمولا فيهما جميعا سمي ذلك الشكل الثاني، وهو قولك: كل إنسان حيوان وكل طير حيوان، فالحد المشترك الذي هو الحيوان محمول فيهما جميعا، وإن كان موضوعا فيهما سمي ذلك الشكل الثالث، وهو مثل قولك: كل إنسان حيوان وكل إنسان ضحاك .

واعلم يا أخي بأنه إذا اقترنت هذه المقدمات على هذه الشرائط واستخرج بها حكم ما؛ سمي جميع ذلك الشكل «سلوجيموس» يعني القياس المنتج.

واعلم يا أخي بأن من المقدمات ما هو منتج ومنها ما هو غير منتج، فالمنتج ما تقدم ذكره، وغير المنتج هو ما ليس له حد مشترك مثل قولك: كل إنسان حيوان وكل حجر يابس، فإن هاتين المقدمتين، وإن كانتا صادقتين فليستا تنتجان شيئا؛ لأنه ليس لهما حد مشترك.

واعلم يا أخي أنه إنما احتيج في المقدمات إلى الحد المشترك ليقع الازدواج بينهما، وإنما يراد الازدواج لتخرج النتيجة التي هي الغرض من تقديم المقدمات، كما أن الغرض من تزويج الحيوان الذكور مع الإناث هو أن ينتج منها أولاد مثلها، فهكذا أيضا حكم المقدمتين واقترانهما هو لأن ينتج منهما حكم على شيء ليس بظاهر للعقول، فمن أجل هذا احتيج إلى اقتران المقدمات.

واعلم يا أخي بأنه ليس كل اقتران منتجا، كما أنه ليس من كل تزويج يكون الولادة، وذلك أنه إذا قيل: كل إنسان حيوان وكل طائر حيوان، فإن هاتين المقدمتين وإن كانتا قد اشتركتا في حد فليس ينتج من اقترانهما نتيجة؛ لأنهما من الشكل الثاني، وهكذا إذا قيل: ليس واحد من الناس طائرا ولا واحد من الناس حجرا، فإن هاتين المقدمتين وإن كانتا قد اشتركتا، فليس ينتج من اقترانهما شيء؛ لأنهما من الشكل الثالث، وهذان الشكلان ليس يوثق بنتيجتهما دون أن يعتبر بالشكل الأول كما بين ذلك في كتب المنطق بشرح طويل.

واعلم يا أخي بأن مقدمات الشكل الأول منتجة كلها، كلية كانت أو جزئية، سالبة كانت أو موجبة؛ مثال ذلك إذا قيل: كل إنسان حيوان، كلية موجبة صادقة؛ وكل حيوان متحرك، كلية موجبة صادقة، ينتجان كل إنسان متحرك، كلية موجبة صادقة، وإذا قيل: ليس واحد من الناس حجرا كلية سالبة صادقة، ولا واحد من الأحجار طائرا، كلية سالبة صادقة، نتيجتهما ليس واحد من الناس طائرا، كلية سالبة صادقة، وبعض الناس كاتب جزئية موجبة صادقة، وبعض الكتاب حاسب جزئية موجبة صادقة، نتيجتهما بعض الناس حاسب جزئية موجبة صادقة وبعض الناس ليس بكاتب، جزئية سالبة صادقة، وبعض الكتاب ليس بحاسب، جزئية سالبة صادقة، نتيجتهما بعض الناس ليس بحاسب، جزئية سالبة صادقة، فقد بان أن هذا الشكل ومقدماته ينبغي أن يتحفظ بها ويعرف استعمالها في القياسات وكيفية استخراج نتائجها، ويتحرز من السهو والغلط فيها، فإنه يدخل عليها الآفات العارضة، كما يدخل في سائر الموازين والقياسات، إما بقصد من المستعملين لها، أو بسهو يدخل عليهم فيها، وذلك أنه ربما تكون المقدمات صادقة، ونتائجها كاذبة، وربما كانت المقدمات كاذبة، ونتائجها صادقة، وربما تكون المقدمات والنتيجة كاذبة كلها أو صادقة كلها.

واعلم يا أخي بأن هذا الباب ينبغي أن يتفحص وينظر موضع المغالطة فيه ويتحرز منه، فإن الذين راموا إبطال القياس المنطقي من هذا الباب أتوا، وذلك أن أرسطاطاليس لما عمل كتاب القياس وبين فيه القياس الصحيح الذي لا يدخله الخطأ والزلل، وذكر أنه ميزان يعرف به الصدق من الكذب في الأقاويل، والصواب من الخطأ في الآراء، والحق من الباطل في الاعتقادات، والشر من الخير في الأفعال، فكثر الراغبون فيه في ذلك الزمان والطالبون له وتركوا ما سواه من كتب الجدل وزال الاختلاف الذي كان بينهم لرجوعهم إلى الميزان الذي يريهم الحق ووثقوا به وأيقنوا أنه لا يجوز غيره. كقوم اختلفوا في وزن شيء من الأشياء، فلما اعتبروه بالميزان عرفوه يقينا، ورجعوا إليه، وتركوا الجدل والمراء، فلما زال الاختلاف فيما بينهم حسده جماعة من أبناء جنسه من المتفلسفة وراموا إبطال ذلك عليه من هذا الطريق، وهو أن أتوا بمقدمات صادقة نتائجها كاذبة، وبمقدمات كاذبة نتائجها صادقة، وبمقدمات كاذبة نتائجها كاذبة، وعارضوا بها تلامذة أرسطاطاليس؛ لكي ما ينفروهم عنها ويزهدوهم فيها وهي هذه: ليس واحد من الناس بحجر، سالبة صادقة. و: لا واحد من الأحجار بحيوان، سالبة صادقة، نتيجتهما: لا واحد من الناس بحيوان، سالبة كاذبة، والآخر: كل إنسان طائر، موجبة كاذبة. وكل طائر ناطق، موجبة كاذبة، نتيجتهما كل إنسان ناطق موجبة صادقة، وكل إنسان طائر موجبة كاذبة وكل طائر حجر موجبة كاذبة نتيجتهما كل إنسان حجر موجبة كاذبة وكل إنسان حيوان موجبة صادقة.

واعلم يا أخي بأن مثل هذه المغالطة تدخل في الصناعة من وجهين؛ أحدهما أن يكون المتعاطي جاهلا بصناعة القياس أو ناقصا فيها، فيغالط ولا يدري من أين وكيف ولم، كما يغلط من يحسب ولا يدري الحساب، أو يزن أو يكيل ولا يدري كيف الوزن والكيل، أو يكون عارفا بالصناعة، ولكن يقصد عمدا وعنادا لغرض من الأغراض كما يفعل الحاسب والوزان والكيال دغلا وغشا وحيلة، فمن أجل هذه المغالطة التي أتى بها القوم أوصى أرسطاطاليس تلاميذه بسبع شرائط أن لا يستعمل قياس برهاني من مقدمتين سالبتين لا كليتين ولا جزئيتين أصلا، ولا مهملتين ولا جزئية ولا خاصة البتة؛ إذ كان منها تكون هذه المقدمات التي أتى بها القوم لمغالطتهم، بل يقتصر على استعمال المقدمات الصادقة التي نتائجها صادقة، وهي التي تغافل القوم عن ذكرها، والمقدمات التي تصدق هي ونتائجها في كل مادة، وفي كل زمان قبل العكس وبعد العكس، تبين ذلك كله في أنولوطيقا الثانية.

صفحة غير معروفة