ولما رأوا أشياء أخر ليست بالجوهر ولا يقال لها: كم، مثل البياض والسواد والحلاوة والمرارة والرائحة وما شاكلها؛ جمعوها كلها وسموها جنس الكيف، وهذه الأعراض هي صفات للجوهر، وهو موصوف بها وهي قائمة به، وكلها صور متممة له - كما بينا في رسالة الكون والفساد.
ثم إنهم وجدوا أشياء شتى تقع على شيء واحد لم يتغير في ذاته، بل من أجل إضافته إلى أشياء شتى، فسموها جنس المضاف؛ مثال ذلك رجل يسمى أبا وابنا وأخا وزوجا وجارا وصديقا وشريكا وما شاكلها من الأسماء التي لا تقع إلا بين اثنين يشتركان في معنى من المعاني، وذلك المعنى لا يكون موجودا في ذاتيهما، ولكن في نفس المفكر سموها جنس المضاف، وأصحاب الصفات يسمون هذه المعاني أحوالا.
ثم إنهم وجدوا أسماء أخر معانيها غير معاني ما تقدم ذكرها، مثل فوق وتحت وها هنا، وما شاكلها من الأسماء، فجمعوها كلها وسموها جنس الأين، ثم وجدوا أسماء أخر معانيها غير معاني ما ذكرنا، مثل يوم وشهر وسنة وحين ومدة، وما شاكلها من الأسماء، فجمعوها كلها وسموها جنس المتى، ثم وجدوا أسماء معانيها غير ذلك؛ مثل قائم وقاعد ونائم ومنحن ومتكئ ومستند ومستلق، وما شاكل ذلك من الأسماء فجمعوها كلها وسموها جنس النصبة يعني الوضع.
ثم وجدوا أسماء أخر مثل قولك: له وبه ومنه وعليه وعنده وما شاكلها من الأسماء فجمعوها كلها وسموها جنس الملكة، ثم وجدوا أسماء أخر مثل قولك: ضرب وفعل وصنع وما شاكلها من الألفاظ التي تدل على تأثير الفاعل فجمعوها كلها وسموها جنس يفعل، ثم وجدوا أسماء أخر مثل قولك: انقطع انكسر انبعث انبجس وما شاكلها من الألفاظ وجمعوها كلها وسموها جنس ينفعل.
ثم تأملوا الأشياء كلها فلم يجدوا معنى خارجا عن هذه التي ذكرنا، فاجتمعت لهم معاني الأشياء كلها في عشرة ألفاظ حسب، كما وجدوا لمراتب الآحاد عشرة ألفاظ حسب.
واعلم يا أخي بأنه قد جمعت هذه الأجناس كل موجود من الجواهر والأعراض ، وما كان وما يكون ولا يقدر أحد أن يتوهم شيئا خارجا عن هذه الأجناس وما تحتويه من الأنواع والأشخاص.
واعلم بأنه ربما اجتمعت هذه المعاني في شخص واحد؛ مثال ذلك زيد، فإنه جوهر وفيه كمية؛ لأنه طويل، وفيه كيفية لأنه أسود، وفيه مضاف لأنه ابن، وأين لأنه في مكان، ومتى لأنه في زمان، ونصبة لأنه قائم أو قاعد، وملكة لأنه ذو مال، ويفعل إذا ضرب، وينفعل إذا ضرب.
وإذ قد فرغنا من ذكر الأجناس العشرة بقول وجيز فإنا نذكر الآن طرفا من كيفية تقسيمها إلى الأنواع؛ ليكون إرشادا للمتعلمين إلى أحد طرق التعاليم؛ إذ كانت طرق التعاليم أربعة أنواع، أحدها طريق الحدود، والآخر طريق البرهان، والآخر طريق التحليل، والآخر طريق التقسيم، وهي هذه: الجوهر نوعان جسماني وروحاني، فالجسماني نوعان: فلكي وطبيعي، فالطبيعي نوعان بسيط ومركب، فالبسيط أربعة أنواع: نار وهواء وماء وأرض.
والمركب نوعان جماد ونام، فالجماد هو الأجسام المعدنية، والنامي نوعان نبات وحيوان، والنبات ثلاثة أنواع، منه ما يكون بالغرس كالأشجار، ومنه ما يتكون بالبذر كالزرع، ومنه ما يكون بنفسه كالحشائش والكلأ.
والحيوان نوعان ناطق كالإنسان وغير ناطق كسائرها، وهو ثلاثة أنواع، منه ما يتكون في الرحم، ومنه ما يتكون في البيض، ومنه ما يتكون في العفونات كالدبيب، وتحت كل نوع من هذه أنواع وتحت تلك الأنواع أنواع أخر إلى أن ينتهي إلى الأشخاص.
صفحة غير معروفة