117

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

تصانيف

ويروى عن أبي ذر - رحمة الله عليه - أنه قال: قلت لرسول الله أوصني، قال: عليك بتقوى الله، فإنه رأس أمرك، فقلت: زدني يا رسول الله، قال: عليك بذكر الله، فإنه رأس كل خير، وقراءة القرآن فإنه نور لك في السماء وذكر لك في الأرض، قلت: زدني، قال: عليك بالجهاد فإنه رهبانية هذه الأمة، قلت: زدني، قال: انظر إلى من دونك، ولا تنظر إلى من هو فوقك، قلت: زدني، قال: أقل الكلام إلا من ذكر الله؛ فإنك بذلك تغلب الشيطان، قلت: زدني، قال: أحب المساكين وجالسهم، قلت: زدني، قال: كن في الدنيا كأنك غريب وعد نفسك في الموتى، قلت: زدني، قال: قل الحق ولو كان مرا، قلت: زدني، قال: لا يأخذك في الله لومة لائم، قلت: زدني، قال: ارض من الدنيا بكسرة تقيم بها جسدك وخرقة تواري بها عورتك وظل تسكن فيه، قلت: زدني، قال: اكظم الغيظ، وأحسن إلى من أساء إليك، قلت: زدني، قال: إياك وحب الدنيا فإنه رأس الخطايا، إن الدنيا تهلك صاحبها، وصاحب الدنيا لا يهلكها، قلت: زدني، قال: انصح للناس كما تنصح لنفسك، ولا تعب عليهم بما فيك مثله، يا أبا ذر إنه لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الخيرات، ومن أشفق من النار سلا عن الشهوات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ويقال: إن الزهد في الدنيا مفتاح كل خير، والرغبة فيها مفتاح كل شر وخطيئة، وقيل في الحكمة: الدنيا قنطرة فاعبروها إلى الآخرة، ولا تعمروها، إنكم خلقتم للآخرة لا للدنيا، وإنما الدنيا دار العمل والآخرة دار الجزاء، وهي دار القرار ودار المقام ودار النعيم ودار الخلود.

(19) فصل في حسن التكليف

واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن الله تعالى كلم موسى بن عمران وناجاه باثني عشر ألف كلمة، يقول له في عقب كل كلمة: يا موسى ادن مني واعرف قدري، فأنا الله يا موسى، أتدري لم كلمتك من بين خلقي، واصطفيتك لرسالتي من بين بني إسرائيل؟ قال موسى: فمن علي يا رب، قال: لأني أطلعت على أسرار عبادي، فلم أر قلبا أصفى لمودتي من قلبك، قال موسى - عليه السلام: لم خلقتني يا رب بعد أن لم أكن شيئا؟ قال: أردت بك خيرا، قال: رب من علي، قال: أسكنك جنتي، وأدخلك دار كرامتي مع ملائكتي، فتخلد هناك منعما، ملتذا مسرورا.

قال فما الذي ينبغي لي أن أعمل؟ قال: لا يزل لسانك رطبا من ذكري، وقلبك وجلا من خشيتي، وبدنك مشغولا بخدمتي، ولا تأمن مكري إلى أن ترى رجلك في الجنة، قال: يا رب لم ابتليتني بفرعون؟ قال: إنما اصطنعتك على أن أخاطب بلسانك بني إسرائيل، فأسمعهم كلامي، وأعلمهم شريعة التوراة وسنة الدين وأدلهم على الآخرة، ومن اتبعك منهم ومن غيرهم كائنا من كان، يا موسى بلغ بني إسرائيل أني لما خلقت السماوات والأرض جعلت لهما أهلا وسكانا، فأهل سماواتي هم ملائكتي وخالص عبادي الذين لا يعصونني ويفعلون ما يؤمرون، يا موسى قل لبني إسرائيل وبلغهم عني أنه من قبل وصيتي ووفى بعهدي، ولم يعصني رقيته إلى رتبة ملائكتي، وأدخلته جنتي وجازيته بأحسن الذي كانوا يعملون.

يا موسى قل لبني إسرائيل وأبلغهم عني أني لما خلقت الجن والإنس والحيوانات أجمع، ألهمتهم مصالح الحياة الدنيا، وعرفتهم كيفية التصرف فيها لطلب منافعها والهرب من المضار منها؛ كل ذلك بما جعلت لهم من السمع والبصر والفؤاد والتمييز والشعور أجمع، وهكذا ألهمت أنبيائي ورسلي والخواص من عبادي وعرفتهم أمر المبدأ والمعاد والنشأة الآخرة، وبينت لهم الطريق وكيفية الوصول إليها.

يا موسى قل لبني إسرائيل يقبلون من أنبيائي وصيتي، ويعملون بها، واضمن لهم عني أني أكفيهم كل ما يحتاجون إليه من مصالح الدنيا والآخرة جميعا، ومن وفى بعهدي وفيت بعهده، كائنا من كان من بني آدم وألحقتهم بأنبيائي وملائكتي في الآخرة دار القرار، قال موسى: يا رب لو خلقتنا في الجنة وكفيتنا محن الدنيا ومصائبها وبلاءها، أليس كان خيرا لنا؟ قال: يا موسى قد فعلت بأبيكم آدم ما ذكرت، ولكن لم يعرف حقي وقدر نعمتي، ولم يحفظ وصيتي، ولم يوف بعهدي بل عصاني فأخرجته منها، فلما تاب وأناب وعدته أن أرده إليها وآليت على نفسي أن لا يدخلها أحد من ذريته إلا من قبل وصيتي وأوفى بعهدي، ولا ينال عهدي الظالمين، ولا يدخل جنتي المتكبرون؛ لأني جعلتها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين.

يا موسى ادع لعبادي وذكرهم آلائي؛ فإنهم لا يذكرون مني إلا كل خير سالفا وخالفا، عاجلا وآجلا، يا موسى ويل لمن تفوته جنتي، ويا حسرة عليه وندامة حين لا ينفعانه.

يا موسى خلقت الجنة يوم خلقت السماوات، وزينتها بألوان المحاسن، وجعلت نعيم أهلها وسرورها روحا وريحانا، فلو نظر أهل الدنيا إليها نظرة من بعيد لما تهنوا بالحياة في الدنيا بعدها.

يا موسى هي مدخرة لأوليائي والصالحين من عبادي تحيتهم يوم يلقونه سلام وطوبى لهم وحسن مآب.

صفحة غير معروفة