============================================================
من أوطان الدنيا وزهرتها، وودعوا شهوات النفس وراحاتها، وارتحلوا من إرادة الدارين ولذائذهما، ارتحالا لا يحطون رحالهم إلا بقربه، فهم قد نزعوا ثواب الغفلة من قلوبهم، ثم إنهم يتزرون بمثرز الرشاد، ويرتدون بأردية الوداد، ويحرمون من صحبة العباد، ويلبون بصحبة الفؤاد، ويصعدون على عرفات صدر المراد، ويطوفون بقدم الصدق والصفا قرب الملك الجواد، فعند ذلك غابت عنهم العباد ثم البلاد ثم الرقاد، فيا لهم من قوم استقاموا على بساط التحقيق بقدم الاخلاص والتصديق منقردين بالملك الشفيق بلا خلق ولا نفس ولا تعاليق، ثم يالهم من قوم قصدوا موبه ومرادهم يقتلون آنفسهم بسيف اشتياقه، ثم يطر حونها على فرش وداده ينسلونها بماء حيائه ويحتطونها ويعطرونها ببهائه ثم يكفنونها بكفن لطفه ويتزرونها بنزر شفقته، ثم يضعونها على سرير ولايته، ويحملونها على أعناق ذكر آلائه و نعمائه، ثم يسلمونها إلى آيدي حكمه وقضائه، ثم يدفنونها في مقابر قربه ومؤانسته، ثم يالهم من قوم اتكلوا على الله في جميع الحالات واستغنوا به عن الخلق في جميع الأوقات وافتقروا إليه في جميع الأيرادات، ولم يلتفتوا منه إلسى الراحات والشهوات واللذات وعلموا أن لا ملجأ ولا منجى ولا مفرمنه إلا إليه، ثم يالهم من قوم قصدوا اليه لشوقهم إليه لا لعطائه، وقربوا منه لوصلته لا لجزائه، وعبدوه على محبته لا لبره وثوابه، ثم يا لهم من قوم قصدوا الله بقدم الحياء والخشية والحرمة، واتزروا بمثزر دوام الخدمة، وارتدوا بأردية ذكر المنة وأحرموا من فعال أهل الغرة، ولبوا بتلبية الشوق والانابة، وصعدوا على عرفات الفقر والفاقة وطافوا بقدم الصدق حول وصال رب العزة، فهم بأجنحة الشوق منه إليه طائرون وبالكلية منه إليه قاصدون، وبنور المعرفة منه إليه ناظرون، ومن شمامات آنسه يشمون، وبمراوح امتنانه يتروحون، وبكاس الود من شراب الزلفى يشربون، وبقرب القريب وبمناجاة الحبيب يتلذذون، فألم الفراق أنحل أبدانهم ونار الشوق أحرقت أكبادهم، وملاقاة الحبيب غاية مرادهم.
معاشر إخواني ليس كل أحد يحتمل صفة القاصدين ونعتهم، ولا كل قلب يستحق مواصلة الله تعالى وقربه، ولا كل بشر يؤذن لها بالدخول عليه، فلو أن الناس اطلعوا على قلوب القاصدين عند هيجان الاشتياق لعاينوا من العجائب ما بهتوا فكيف لو اطلعوا على قلوبهم حين يؤذن لهم بالدخول عليه، وترفع الحجب
صفحة ٧٣