وبعد أيام ودع سعيد أهله واصطحب عبد الله وسارا يطويان الصحراء نحو الكوفة وعبد الله لا يعرف شيئا من علاقة سعيد بقطام ولا ما تآمر عليه الثلاثة في المسجد الحرام. ولكنه فهم من وصية أبي رحاب أن سعيدا كان عازما على قتل الإمام فأرجعه أبو رحاب عن عزمه. وسمع حديث سعيد عن المؤامرة ولكنه لم يتفهمها جيدا. فلما أوغلا في الصحراء فتح عيد الله حديثا تطرقا منه إلى مقتل الإمام علي واستأنس سعيد بعبد الله وهو مخلص من فطرته ففتح له قلبه وكشف له عن سره وارتاح لمشورته. ولم يصلا الكوفة حتى أصبح عبد الله عارفا بكل مكنونات قلبه فشاركه في شعوره من قبيل عهده مع قطام ورجوعه عنه فثبته على وصية جده وهون عليه إقناع قطام إلى أن قال: «فإذا لم تقتنع ليس أهون من أن تعدل عنها والنساء كثيرات وإنا أختار لك فتاة من أجمل الفتيات خلقا وخلقا وأرفعهن نسبا لا تقاس بها بقطام» وكانا يتحادثان وهما على ناقتيهما يطويان الصحراء طيا.
فقطع سعيد عليه الكلام قائلا: «لا لا تقل ذلك ليس في الناس أجمل من قطام عندي ولا صبر لي على إغضابها ويظهر أنك لم تعان الحب ولا عرفت سلطانه» قال: ذلك وتنهد ... وصبر هنيهة ثم قال: «وهب مع ذلك أني لا أحبها ولا أنا عالق بها فإن في يدها صكا مكتوبا أخاف إذا أغضبتها أن تشي بي إلى علي أو ... ولكني واثق بصدق مودتها فهى لا تريد بي سوءا بل تبغي رضاي».
فقال عبد الله: «إذا كانت تحبك كما تقول فليس أهون من إقناعها في العدول عن قتل الإمام فيهون عليك البحث عن المتعهد بقتله وتردعه عن غيه فإذا لم يرتدع قتلته أو نقلت خبره إلى الإمام ليرى رأيه فيه».
فارتاح سعيد لهذا الرأي.
الفصل الثالث والعشرون
اللجاجة السذاجة
وأقبلا على الكوفة ذات يوم والشمس قد مالت إلى المغيب وكان سعيد قد قضى ذلك النهار وهو يستحث ناقته لعله يدرك المدينة قبل الغروب ليتمكن من المسير إلى بيت قطام إذ لا صبر له على فراقها وهو على مقربة منها. فلما دنا الغروب وهو لم يدخل الكوفة انقبضت نفسه وأدرك عبد الله انقباضه مما آنسه فيه من السكوت التام فأراد أن يصرف ذهنه عن ذلك فقال: «له وهل نحن بعيدون عن منزلك».
قال: «لانلبث أن ندخل المدينة حتى ندنو منه لأنه في أطرافها».
قال: «إني أكاد لا أصدق بوصولي لأستريح من وعثاء السفر وأتخلص من ركوب الجمال فقد أتعبني جريها وخصوصا في هذا النهار».
قال سعيد: «إني أراني في الضد من ذلك وتحدثني نفسي أن أصلي العشاء في المسجد قبل المبيت».
صفحة غير معروفة