الطريق إلى «الكا»
خطيرة
وأنا أريد فتيات «الكا» الجميلات
والطريق إلى «الكا»
تؤدي إلى الموت ...
فيكافئه المستمعون بهدايا من الكراواوا والتبر وبعض العاج، أما كواكيرو الكا عندما سمع به أرسل إليه فتاة جميلة اسمها «واني» أي الجنة، واني الساحرة هذه جدة كريبا، من المتعارف عليه أن لفتيات قبيلة «الكا» أعذب الأصوات، وإذا غنين تخالهن نفرا من الجنيات يمرحن، وإذا سمع الرجل صوتهن ولو من على بعد شاسع تتبع نغمات الغناء إلى حيث فتيات «الكا»، واللائي لا يتأخرن في اصطياده لعشاء القبيلة، كريبا وريثة هذا الصوت الساحر، الذي ثمنه الحياة، وكما يقول المثل: «النار تلد الرماد».
وأيضا «وينو» صاحب الصوت الأجش الأشتر هو ابن كريبا، أكو يعمل في صناعة البطاطين الثقيلة من لحاء الحبحب وألياف الرافيا، ويقوم بمقايضتها بالتبر أو العاج، أحيانا بجلود النمر الأزرق وحتى الكراواوا، وربما كان لأكو باع كبير في تطوير صناعة فساتين قصب البابيت، منه انتقل إلى بقية قرى الدغل الشمالي والأوسط، نعم، لم يوجده أكو، فقد اشتهرت صناعة الفساتين من البابيت منذ أمد بعيد في الدغل، وأنها وفدت إلى الدغل من الدول المجاورة، ولكن أكو استطاع أن يستفيد من تدرج الألوان بأقصاب البابيت وفقا لعمر القصبة وحجمها، استطاع أن يصنع تشكيلات مختلفة من الفساتين لها ألوان متميزة وتصلح لمناسبات متباينة؛ الأعياد تتطلب ألوانا زاهية وصارخة، أيضا احتفالات الموت تلبس لها الفتيات البابيت الأبيض ذا اللمعة التي تحاكي بريق نصل حربة القدر التي تؤخذ بها الأرواح، وهكذا الأعراس، الصيد، الرقص، الرحلات للقرى المجاورة، الذهاب إلى المدينة. استطاع أكو أن يجعل البابيت لباس كل المناسبات وموضوعا للمفاخرة، بل يصح أن يقال فيه: جعله إيقاع الدغل الصامت.
إذا كان باستطاعة سلطان تيه أن يرى فستان البابيت الذي كانت ترتديه سنيلا يوم عرسها الذبيح، لرأى فيه كيف أنها كانت فرحة وسعيدة ومشحونة بالأمل، فقد استخدم أكو لصناعة هذا الفستان نوعا نادرا من قصب البابيت وهو القصب الأسود، الذي ينمو بخور البجعات، على بعد ميلين من القرية، وميلان في الدغل تساوي مائة ميل على الأرض الفضاء، كما يعلم لسنيلا مكانة خاصة في قلب أسرة أكو، فهي أعظم راقصة في تاريخ الدغل، أكو أعظم صانع إيقاع بامبو وأعظم من عزف عليه، كريبا زوجته هي مغنية الدغل الأولى، إذن العلاقة يمكن أن يقال عنها «فنية بحتة»، ولكن في الحقيقة لم تكن كذلك، فسنيلا وأخوها بانا يقيمان جوار أسرة أكو، وأكو ليس لديه بنات، له ولدان وينو ودينو، وينو محارب يقضي وقته عند إبط الشيطان مع رفاقه المحاربين، يصطادون، يجمعون الكراواوا ويغازلون الفتيات اللائي يتعمدن مصادفة المحاربين في الدغل بعيدا عن القرية، كانت سنيلا تقوم بطحن الذرة وسحن جوز الأرض وتحضيره لطعام أسرة أكو، ولها وأخيها يوميا ودون كلل أو ملل، وكانت كريبا تعاملها كابنتها تماما وذلك منذ صغرها، حيث تركها أهلها هي وأخاها وذهبوا إلى حيث لا يعلم أحد، وعندما أخبرتها فلوباندو عن رغبة الغريب في اتخاذ سنيلا زوجة له سعدت أيما سعادة، وذهبت هي وزوجها أكو إلى خور البجعات وجلبا البابيت الأسود النادر، ثم أعدتها للعرس في صمت، ولم تخبر أحدا من جيرانها خوفا من السخرية والحسد أيضا، فلا أحد كان يتخيل أن يأتي من يطلب سنيلا البرصاء زوجة، وكريبا نفسها كان يقلقها أن تظل سنيلا عذراء عمرها كله، فهي لا تستطيع أن تذهب مع الفتيات إلى إبط الشيطان حيث يتاح لها الاختلاء بمحارب، مكتفية بتجربة واحدة مريرة، وكان ذلك عندما بدأت تظهر عليها أعراض البلوغ وهي في الرابعة عشرة من عمرها، ذهبت مع صديقتيها لاوتبار وشيتا، وعند خور صغير وجدن المحاربين الشباب يصطادون الخنزير البري، وكالعادة حاولن الهرب مدعيات أنهن فوجئن بالمحاربين، ولكن استطاع المحاربون اللحاق بهن، قدموا لهن عصير الكراواوا وغنوا معا ورقصوا ثم اختلى محاربان بالفتاتين وتركوها وحيدة تجلس بين الأعشاب تحاول ألا تبكى، تحاول ألا تحزن، كانت دموعها تسيل دافئة على خديها وهي تنتظر لاوتبار وشيتا اللتين تصلها ضحكاتهما المتغنجة، و... هما، فلم تذهب مرة أخرى أبدا.
كانت كريبا تجلس قرب زوجها العجوز أكو وهو يصب صبغة النيلا على ألياف الرافية منهيا المرحلة الأخيرة في صنع ثوب غطاء سنيلا، كانت كريبا تعالج أغنية رائعة تتشكل في ذهنها، تحاول أن تقبض على الكلمات الملعونة المراوغة المتقافزة في دائرة مسحورة في مخيلتها، دائرة هلامية، لا بد أن تمهر هذا الحدث العرس السعيد بأغنية ترددها الأجيال تلو الأجيال، وعندما بدأت الكلمة الأولى الملعونة تنزل حيث اللغة والمادة، أش! إذا بمحاربين يدخلان وسنيلا الحزينة بينهما يسندانها، كانت صامتة وعيناها مغمضتان، يلتف حول خصرها بابيت العرس حزينا، فأكملت كريبا الأغنية:
أش!
صفحة غير معروفة