رعاية المصلحة والحكمة في تشريع نبي الرحمة ﷺ
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
العدد ١١٦،السنة ٣٤
سنة النشر
١٤٢٢هم٢٠٠٢م
تصانيف
وَهَذِه التَّفْرِقَة بَين الْحِكْمَة وَالْعلَّة وَالسَّبَب اصْطِلَاح حَادث، أما القدماء فقد استعملوا الْحِكْمَة مرادفة لقصد الشَّارِع أَو مَقْصُوده، فَيَقُولُونَ: هَذَا مَقْصُوده كَذَا، أَو حكمته كَذَا، فَلَا فرق، وَإِن كَانَ استعمالهم للفظ الْحِكْمَة أَكثر من استعمالهم للفظ الْمَقْصد. قَالَ الونشريسي١: " ... الْحِكْمَة فِي اصْطِلَاح المتشرعين: هِيَ الْمَقْصُود من إِثْبَات الحكم أَو نَفْيه وَذَلِكَ كالمشقة الَّتِي شُرع الْقصر والإفطار لأَجلهَا"٢.
وَقد يَبْدُو فِي هَذَا الْكَلَام شَيْء من الْإِشْكَال - كَمَا يَقُول الدكتور الريسوني وَهُوَ: هَل الْمَشَقَّة حِكْمَة ومقصود؟ وَالْجَوَاب: إِن الْكَلَام فِيهِ حذف، وَمرَاده: أَن رفع الْمَشَقَّة عَن الْمُسَافِر هُوَ مَقْصُود الحكم وحكمته، وَقد نبه على هَذَا الأصولي الْحَنَفِيّ شمس الدّين الفناري٣ حَيْثُ قَالَ: "أما مَا يُقَال فِي رخص السّفر: أَن السَّبَب السّفر، وَالْحكمَة الْمَشَقَّة، وَأَمْثَاله، فَكَلَام مجازي، وَالْمرَاد أَن الْحِكْمَة الباعثة دفع مشقة السّفر"٤.
ويؤكد الدكتور بدران أَبُو الْعَينَيْنِ بدران هَذَا التطابق بَين مَقْصُود الحكم وحكمته فِي اصْطِلَاح الْفُقَهَاء فَيَقُول: "على أَن جُمْهُور الْفُقَهَاء كَانُوا يذهبون فِي اجتهاداتهم إِلَى أَن مَا شَرعه الله من أَحْكَام، لم يشرعه الله إِلَّا لمصْلحَة جلب مَنْفَعَة لَهُم أَو دفع مضرَّة عَنْهُم، فَلهَذَا كَانَت تِلْكَ الْمصلحَة هِيَ الْغَايَة الْمَقْصُودَة من
_________
١ - أَحْمد بن يحي بن عبد الْوَاحِد، فَقِيه أديب خطيب مالكي وَانْظُر تَرْجَمته فِي شَجَرَة النُّور الزكية ١/٢٧٤.
٢ - المعيار ١ / ٣٤٩.
٣ - مُحَمَّد حَمْزَة الفناري، فَقِيه أصولي حَنَفِيّ (ت ٨٣٤؟) .
٤ - فُصُول البديع فِي أصُول التشريع ٢ / ٣٧١ عَن نظرية الْمَقَاصِد ص ٢١.
1 / 203