رعاية المصلحة والحكمة في تشريع نبي الرحمة ﷺ
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
العدد ١١٦،السنة ٣٤
سنة النشر
١٤٢٢هم٢٠٠٢م
تصانيف
نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَر﴾ ١ ثمَّ نسخ تَعَالَى تَقْدِيم الصَّدَقَة قبل مُنَاجَاة الرَّسُول ﷺ لطفًا بعباده الْفُقَرَاء غير القادرين على الصَّدَقَة - نقل عَن ابْن الْعَرَبِيّ٢ قَوْله: "وَفِي هَذَا الْخَبَر عَن زيد [ابْن ثَابت بِمَعْنى مَا سبق ذكره آنِفا] مَا يدل على أَن الْأَحْكَام لَا تترتب بِحَسب الْمصَالح، فَإِن الله تَعَالَى قَالَ: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَر﴾ ثمَّ نسخه مَعَ كَونه خيرا وأطهر، وَهَذَا رد على الْمُعْتَزلَة عَظِيم فِي الْتِزَام الْمصَالح".
وَبَين الإِمَام ولي الله الدهلوي أَن جلب الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد - وَإِن كَانَا مراعين غَالِبا - لَكِن مصدر التشريع ومناط التَّكْلِيف هُوَ مَا جَاءَ فِي الْكتاب وَالسّنة.
يَقُول: "فقد أوجبت - يَعْنِي: السّنة - أَيْضا أَن نزُول الْقَضَاء بِالْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيم سَبَب عَظِيم فِي نَفسه مَعَ قطع النّظر عَن تِلْكَ الْمصَالح لإثابة الْمُطِيع وعقاب العَاصِي، وَأَنه لَيْسَ الْأَمر على مَا ظن من أَن حسن الْأَعْمَال وقبحها بِمَعْنى اسْتِحْقَاق الْعَامِل الثَّوَاب وَالْعَذَاب عقليان من كل وَجه، وَأَن الشَّرْع وظيفته الْإِخْبَار عَن خَواص الْأَعْمَال على مَا هِيَ عَلَيْهِ دون إنْشَاء الْإِيجَاب وَالتَّحْرِيم بِمَنْزِلَة طَبِيب يصف خَواص الْأَدْوِيَة وأنواع الْمَرَض، فَإِنَّهُ ظن فَاسد تمجه السّنة بَادِي الرَّأْي ... كَيفَ وَلَو كَانَ ذَلِك لجَاز إفطار الْمُقِيم الَّذِي يتعانى كتعاني الْمُسَافِر – يَعْنِي: يتجشم الْمَشَقَّة كمشقة الْمُسَافِر - لمَكَان الْحَرج الْمَبْنِيّ عَلَيْهِ الرُّخص، وَلم يجز إفطار الْمُسَافِر المترفه - المستريح المتنعم - وَكَذَلِكَ سَائِر
_________
١ - سُورَة المجادلة آيَة:١٢.
٢ - القَاضِي أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد الْمعَافِرِي الأندلسي، مُفَسّر، فَقِيه، أديب شَاعِر مالكي (ت ٥٤٣؟) وترجمته فِي الديباج الْمَذْهَب ص ٢٨١ ووفيات الْأَعْيَان ١/٤٨٩ والأعلام ٦/٢٣٠.
1 / 233