8
بعد ذلك يأخذ الملائكة أخنوخ في جولة تكشف له أسرار السماء ، ويستغرق وصف هذه الجولة بقية الجزء الأول من سفر أخنوخ، والوصف طويل ومفصل بحيث لا نستطيع هنا سوى إعطاء لمحة موجزة عن أهم ما رآه. فقد رأى خزانات الرياح، وخزانات البروق والرعود، وخزانات الغيوم والثلوج، ورأى منابع أنهار الأرض كلها ومنبع البحر، ورأى الملائكة التي تحرك عجلات القمر والشمس وبقية الأجرام السماوية، والملائكة التي تسند قبة السماء عند نهايات الأرض حيث بوابة السماء التي تخرج منها النجوم في مواعيدها، وبوابات الرياح الأربع، وبوابات الثلج والبرد والضباب والندى. ورأى مكان سجن النجوم العاصية التي لا تطلع في مواعيدها، وجحيم الملائكة الساقطين، وجنة الأبرار وجحيم الكفار، ورأى مكان المطهر، وهو عبارة عن أربعة كهوف عظيمة محفورة في جبل هائل الحجم، معدة لأرواح الموتى في انتظار يوم الحساب الأخير. ثلاثة من هذه الكهوف مظلمة وواحد منير، فأما المظلمة فهي لإيواء أرواح الخاطئين وفق درجة خطيئتهم، وأما الكهف المنير فمعد لأرواح الصالحين.
يحتوي الجزء الثاني على عدد آخر من الرؤى مصاغة بأسلوب شعري ترميزي، وتفتقد إلى الشروحات التفصيلية المطولة التي ميزت الجزء الأول. نقتبس فيما يأتي أهم هذه الرؤى المتصلة بموضوعنا، وهي التي تدور حول المخلص المنتظر المدعو هنا بابن الإنسان، والتصورات الآخروية المرتبطة بنهاية التاريخ.
9 (1-1) مبدأ الأيام وابن الإنسان «هناك رأيت الذي رأسه مبدأ الأيام (= الرب). كان شعره مشتعلا بياضا مثل الصوف، ومعه كائن آخر له مظهر الإنسان ووجهه ممتلئ نعمة كملاك قديس. فسألت الملاك المرافق أن يكشف لي سر ابن الإنسان، من هو ومن أين أتى ولماذا يرافق مبدأ الأيام. فقال لي: هو ابن الإنسان الممتلئ بالخير والذي به يحيا الخير والذي به تنكشف الكنوز الخبيئة، لأن رب الأرواح اختاره، وقدره خير كله أمام رب الأرواح إلى الأبد. إن ابن الإنسان الذي رأيت، سيرمي الملوك والجبابرة والأقوياء عن عروشها وكراسيها، لأنهم لم يسبحوا بحمده ولم يمجدوه ولم يعترفوا بمصدر ملكهم وسلطانهم، سوف يخلع قلوب الأقوياء ويكسر أسنان الخطأة ويخفض وجوه العتاة ويمرغها بالعار، فيجعل الظلمة مسكنهم والديدان سريرهم. هناك يضطجعون ولا يقومون .»
نلاحظ هنا أن الفكر المنحول قد تحول من فكرة مسيح آخر الأزمنة إلى فكرة «الحقيقة المسيحانية» القائمة مع الله قبل خلق العالم. فالمسيح هو حقيقة كونية سوف تتجسد في إنسان عندما يأتي الزمن والتاريخ إلى نهايتهما. وهذا ما تعالجه الرؤيا التالية بشكل أكثر وضوحا. (1-2) ابن الإنسان سابق الأيام «هناك رأيت ينبوع الخير الذي لا ينضب معينه، وحوله من كل ناحية كثير من ينابيع الحكمة، ليشرب منها العطاش ويمتلئوا حكمة، فيعيشون مع الأخيار والقديسين والمختارين. في تلك الساعة سمي ابن الإنسان أمام رب الأرواح وكان اسمه سابق الأيام.
10
قبل أن تخلق الشمس وبروج السماء، قبل أن تصنع نجوم السماء، دعي اسمه أمام رب الأرواح. سيكون عصا يتوكأ عليها الأبرار فلا يتعثرون، سيكون نورا تهتدي به الأمم وأملا لجميع المحزونين. أمامه سيسجد جميع أهل الأرض ويعبدونه، ويحمدون ويباركون رب الأرواح بالأناشيد. لأجل هذا تم اصطفاؤه وحجبه في حضرة رب الأرواح، من قبل خلق العالم وإلى نهاية الدهر. لكن حكمة رب الأرواح، قد كشفت عنه للقديسين والأبرار، لأنه حافظ الأبرار الذين نبذوا عالم الشر هذا وكرهوا كل طرقه وأعماله، واعتصموا برب الأرواح الذي باسمه سوف يخلصون وفقا لمرضاته. في تلك الأيام سيذل الملوك والمتنفذون جراء ما اقترفته أيديهم، وفي يوم كربهم لن يستطيعوا إنقاذ أنفسهم، عندها سوف يسلمون لأيدي المختارين، ولسوف يحترقون مثل قش في نار أمام وجه القديسين، ومثل رصاص في ماء سوف يغرقون أمام وجه الصالحين وينمحي أثرهم. في يوم كربهم ذاك سيحل سلام على الأرض، وهم يسقطون ولا يقومون.» (1-3) القيامة والبعث «في تلك الأيام سوف تعيد الأرض أمانتها، وتلفظ الهاوية ما أخذته إليها، ويسدد الجحيم دينه. في تلك الأيام سيقوم المصطفى ويختار من بين الأموات المبعوثين، الأبرار منهم والقديسين، لأن يوم خلاصهم قد حان. في تلك الأيام سيجلس المصطفى على العرش وينطق فمه بأسرار الحكمة والموعظة الحسنة، لأن رب الأرواح قد منحه إياها ومجده. في تلك الأيام سوف تقفز الجبال مثل كباش فرحة، وتنط التلال مثل حملان رويت حليبا، يومئذ ستشع وجوه الملائكة حبورا وتبتهج الأرض بالأخبار والمختارين وهم يمشون عليها، ورب الأرواح يحكم فوقهم. سوف يأكلون مع ابن الإنسان، وينامون ويستيقظون في كل يوم إلى أبد الآبدين، سيرفعون قاماتهم على الأرض ولا يخفضون رءوسهم أبدا. عليهم عباءات مجد، عباءات الحياة من رب الأرواح، عباءات لا تبلى مع الزمن، ولا يبلى مجدهم أمام رب الأرواح.»
هذا وتحتوي الأجزاء 3 و4 و5 من السفر على عدد متنوع جدا من المواضيع، أهمها بالنسبة لموضوعنا هنا هو الإشارات المتفرقة إلى القيامة والحساب والمعاد. فمن علامات اقتراب القيامة انتشار الظلم وغياب العدالة، وشح المطر ومحل الأرض، واضطراب مسارات الأجرام السماوية وتغيير القمر مواعيد طلوعه. وعندما تحل الساعة يحدث من الأهوال ما يجعل كل مرضعة تغفل عن رضيعها وترميه عن صدرها، عندها يبعث من في القبور وكل الذين هلكوا بدون دفن ومحقت آثارهم، كل الذين قضوا في الصحراء أو غرقوا في الماء وابتلعتهم الأسماك، أو افترستهم الكواسر، ويقفون للحساب أمام رب الأرواح. ثم تفتح بوابة الجحيم، وهي هاوية عميقة لا يسبر غورها ومهما وفد إليها من الناس لا تمتلئ، فيها ملائكة العذاب يجهزون أدوات العقاب من سلاسل وقضبان وما إليها، وفي قعرها نار تتضرم، نار أبدية يلقى فيها المجرمون. في ذلك الوقت يعلن الملوك والمتنفذون ندمهم أمام ملائكة العذاب ويطلبون فسحة من الوقت ليرجعوا عن آثامهم ويتوبوا أمام الرب ويعبدوه، ولكن طلبهم يرفض ويصدر بحقهم حكم أبدي على مدى أجيال الدهور. (2) سفر عزرا الرابع
يعود الأصل العبري لهذا السفر إلى أواخر القرن الأول الميلادي. ورغم أن هذا الأصل قد ضاع منذ وقت مبكر، إلا أن أجزاء منه قد وجدت مترجمة إلى كل من اليونانية واللاتينية والإثيوبية والقبطية والأرمنية، ولدينا ترجمتان عربيتان قديمتان محفوظتان في مكتبة الفاتيكان بروما: الأولى تحت رمز «العربية 1» ولها مخطوطتان الأولى أصلية والأخرى نسخة عنها، والثانية تحت رمز «العربية 2» ولها ثلاث مخطوطات واحدة كاملة واثنتان ناقصتان.
11
صفحة غير معروفة