وحسبنا لتبيان فضل الرحالة المسلمين أن ينتهي بنا المطاف إلى أن دراستهم على نحو واف دقيق أمر لا بد منه لكل بحث في تاريخ التجارة أو النظام السياسي أو التاريخ الاجتماعي في الشعوب الإسلامية والأمم التي اتصلت بها؛ فإن ما كتبه الرحالة المسلمون من وصافين وجغرافيين كنز لا ينضب معينه، يضم الوثائق العظيمة الشأن في تاريخ الإنسانية. وفي استطاعة الباحث أن يستخرج منها شتى الحقائق ومختلف ضروب المعرفة، مطمئنا إلى نتائج بحثه، إذا أقبل على دراسة هذه الوثائق ببصيرة نافذة وبشيء من الحذر الذي يتطلبه النقد العلمي عند معالجة النصوص في العصور الوسطى غربية كانت أو شرقية. •••
وتمتاز قصص الرحلات الإسلامية عامة بظهور شخصيات الرحالة فيها، فإن أكثرهم لا يقفون عند وصف مراحل أسفارهم وصفا عاما، بل يعنون بتقييد الظواهر الاجتماعية غير المألوفة في أقاليمهم. ثم إنهم يحرصون على لقاء أعلام البلاد التي يجتازونها من علماء وأدباء ورؤساء إلى جنب تعرفهم إلى طبقات الشعب المختلفة. •••
وقد كتب المستشرق الروسي فلاديمير مينورسكي
V. Minorsky
أن جغرافي العرب ملأوا الفراغ وسدوا الفجوة الزمنية بين عهد بطليموس العالم اليوناني وعهد ماركوبولو العالم البندقي، وأن أخبار رحالة العرب وقصصهم أكثر تنوعا وأشد حيوية وقوة مما نجده مسطورا في كتب علماء اليونان وجداولهم، وأن علمهم الذي ضمنوه كتبهم يمتاز بأنه أعظم اختيارا ونقدا وأكثر في التفاصيل مما ورد في كتابات الرحالة البندقي العظيم ماركوبولو. •••
وكان ما كتبه الرحالة المسلمون عن البحار مصدرا لقصص البحرية العربية. وهي - على قلة عددها - من أبدع القصص البحرية في آداب العالم على الإطلاق.
1
وحسبنا أن نشير هنا إلى قصة السندباد البحري وقصة عبد الله البري؛ فالثابت أن كثيرا من وقائع القصص البحرية منقول من كتب الرحلات وكتب العجائب.
2
بل رأينا أن كتب الرحلات كانت مصدرا لكثير من الجغرافيين. ومن ذلك أيضا أن ابن الفقيه نقل في كتابه «مختصر البلدان» أجزاء كبيرة من رحلة سليمان السيرافي.
صفحة غير معروفة