وخلاصة القول: أنه أتى بالقرآن الذي لم يسمع من أحد قبله، وهو معجزة له تحدى به العرب كلها أن يأتوا بمثله فعجزوا عن ذلك وإنما تركوا معارضته لتلاشي بلاغتهم وتناهي فصاحتهم أن يبلغ إلى أدنى مرتبة من فصاحته فعدلوا إلى الأشق الذي به إتلاف النفوس وذهاب الأموال وهو القتال، فلو كان لهم قوة على معارضته لما عدلوا عن الأسهل إلى الأشق.
وقد رتب الله تعالى التحدي على ثلاث مراتب الأولى: قوله تعالى: {فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين}[الطور:34].
المرتبة الثانية: تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله فقال تعالى: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين}[هود:13].
المرتبة الثالثة: تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فقال تعالى: { { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله}[البقرة:23].
فلما لم يأتوا بشيء من هذه المراتب وعجزوا عنها وهم فرسان الكلام، قال الله: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين}[البقرة:24]، وهذا غاية التحدي ولو وجدوا مجالا للمعارضة لجنحوا إليها لأنهم حراص على تكذيبه فمالوا إلى القتال الذي كان فيه دمارهم وهلاكهم وثبت بذلك صحة معجزته.
صفحة ٣٧