النظر إليه بوجه، وإنما حقيقة مذهبه ما قال الرازي (١) في أحكام القرآن من سورة الفرقان، وهو قوله: وأما الماء الذي خالطته نجاسة، فإن مذهب أصحابنا فيه أن كل ما تيقنا فيه جزء من النجاسة، أو غلب في الظن ذلك لم يجز استعماله ولا يختلف في هذا الحد ماء البحر وماء البئر والغدير والماء الراكد والماء الجاري؛ لأن ماء البحر لو وقعت فيه نجاسة لم يجز استعمال الماء الذي فيه النجاسة، وكذلك الماء الجاري، وأما اعتبار أصحابنا للغدير إ ذا حرك أحد طرفيه لم يتحرك الطرف الآخر، فإنما هو كلام في جهة تغليب الظن في بلوغ النجاسة الواقعة في أحد طرفيه إلى طرف الآخر، وليس هذا كلاما في أن بعض المياه الذي فيه النجاسة قد يجوز استعماله، وبعضها لا يجوز استعماله، ولذلك قالوا: لا يجوز استعمال الماء الذي في الناحية التي فيها النجاسة. انتهى
وهو صريح فيما قلت بخلاف ما زعمه من قدمنا ذكره.
قوله: النجاسة لا تخلوا إما أن تكون مرئيّة أو غير مرئيّة، فإن كانت مرئيّة كالجيفة ونحوها ذكر في ظاهر (ق ٨ / أ) الرواية أنه لا يتوضأ من الجانب الذي فيه الجيفة، ويتوضأ من الجانب الآخر هذا خارج عن الأصل الذي قرره، وهو أن الكثير لا تنجس، ومخالف لمحمل الحديث عنده؛ حيث قال:
أن المراد من الكثير والجاري، وكذا قوله: ولو وقعت الجيفة في وسط الحوض، وكذا قوله: وإن كانت غير مرئية على كلا القولين المذكورين لمشايخ العراق ومشايخ ما وراء النهر، وكذا التفصيل المذكور في الجيفة الواقعة في النهر الكبير والصغير كل مخالف للأصل المذكور والحديث. قوله: لأن غير المرئية لا تستقر في الجانب الذي يتوضأ منه، فلا يحكم بنجاسته بالشك على الأصل المعهود، وأن اليقين لا يزول بالشك بخلاف المرئية. هذا إنما يتصور لو كانت النجاسة مستجدة متجسدة، وأما إذا كانت مائعة فهي لمخالطتها الماء في موضع الوقوع نجسة، وانتشرت في غيره وماس المتنجس غيره
_________
(١) هو أحمد بن علي الرازي، ولقب بالجصاص نسبة إلى عمله بالجص وكنيته أبو بكر، ولد في ٣٠٥ هـ في بغداد، انتهت إليه رئاسة المذهب الحنفي في عصره وكان إماما، مفسرا، أصوليا. ومن أهم مصنفاته: أحكام القرآن، شرح مختصر الكرخي، شرح مختصر الطحاوي، شرح الجامع شرح الأسماء الحسنى، وله كتاب في القضاء وآخر في أصول الفقه سماه الأصول في الفصول. توفي في٣٧٠ هـ ودفن في بغداد. وانظر ترجمته في الجواهر المضية (١/ ٨٤)، تاج التراجم (ص/٩٦)، الطبقات السنية (ص/١٢٢).
1 / 29