واختلفوا في الحد الفاصل بينهما، فقال مالك: إن كان بحال يتغير طعمه أو لونه أو ريحه فهو دليل (١)، وإن كان لا يتغير فهو كثير، وقال الشافعي: إذا بلغ الماء قلتين فهو كثير لا يحمل الخبث؛ لورود الحديث (٢)، وقال العلماء (٣) ﵃: وإن كان الماء بحال يخلص بعضه إلى بعض فهو قليل، وإن كان لا يخلص فهو كثير، واختلفوا في تفسير الخلوص. اتفقت الروايات عن أصحاب المتقدمين أنه يعتبر بالتحريك، فإن تحرك طرف منه بتحرك الجانب الآخر، فهذا مما يخلص، وإن كان لا يتحرك فهو مما لا يخلص، ولكن في رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة يعتبر التحريك بالاغتسال، وفي رواية محمد بالوضوء والمشايخ المتأخرين اعتبر بعضهم الخلوص بالصبغ، بالتحريك، بالتكدير (٤) وقال بعضهم بالمساحة إن كان عشرًا في عشرٍ فهو مما لا يخلص، وإن كان دونه فهو مما يخلص، وبه أخذ مشايخ بلخ، ثم إن كانت النجاسة مرئيّة (٥) مثل أن يبول فيه إنسان أو اغتسل فيه جُنُب اختلف المشايخ فيه. قال مشايخ العراق: بأن حكم المرئيّة وغير المرئيّة سواءً، فإنه لا يتوضأ من الجانب الذي وقعت (ق٤/ أ) فيه النجاسة، وإنما يتوضأ من الجانب الآخر بخلاف الماء الجاري، ومشايخنا فصلوا بين ... الأمرين كما قالوا جميعًا في الماء الجاري، وهو الأصح" (٦). انتهى وتبعه الشيخ الإمام أبو بكر الكاساني (٧) في "البدائع" فقال: "فإن كان راكدًا فقد اختلف فيه. قال أصحاب الظوهر: أن الماء لا ينجس بوقوع النجاسة فيه أصلًا سواء كان راكدًا أو جاريًا وسواء كان قليلًا أو كثيرًا تتغير لونه أو طعمه أو رائحته أو لم يتغير، وقال عامة العلماء: إن كان قليلًا ينجس، وإن كان كثيرًا لا ينجس؛
_________
(١) كذا بالأصل: والصواب: "قليل".
(٢) أي حديث القلتين وسيأتي.
(٣) أي من الحنفية، وبالتحفة التي ينقل عنها: "وقال علماؤنا".
(٤) ونص العبارة بالتحفة: (اعتبر بعضهم الخلوص بالصبغ وبعضهم بالتكدير وبعضهم بالمساحة).
(٥) كذا بالأصل: والصواب "غير مرئية" كما في "التحفة.
(٦) تحفة الفقهاء (١/ ٥٧ – ٥٨).
(٧) هو أبو بكر مسعود بن أحمد، علاء الدين الكاساني - الفقيه الحنفي ويعرف بملك العلماء ونسبته إلى كاسان بلدة كبيرة بتركستان خلف سيحون وراء الشاش، ومن أهم مصنفاته: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع وكتاب السلطان المبين في أصول الدين، توفي في ٥٨٧هـ، وترجمته في الجواهر المضية في طبقات الحنفية (٢/ ٢٤٤)، الأعلام للزركلي (٣/ ٧٦ - ٧٧)، سير أعلام النبلاء (٤/ ٣٠٥) ٠
1 / 19