93

رادوبيس

تصانيف

قال الملك ذلك ثم قام واقفا، معلنا انتهاء الاجتماع، فقام القوم من فورهم وأحنوا الهامات إجلالا.

الهتاف

وقصد فرعون إلى جناحه الخاص، ودعا إليه رجليه المخلصين سوفخاتب وطاهو، فلبى الرجلان دعوته سريعا، وكانا شديدي التأثر، يقدران حرج الموقف حق قدره. ووجدا الملك كما توقعا مهتاجا غاضبا، يذرع حجرته من جانب إلى جانب، ويهدر بوحشية جنونية، فلما انتبه إليهما حدجهما بنظرة زائغة، وقال والشرر يتطاير من عينيه: خيانة .. إني أشم رائحة خيانة خبيثة في هذا الجو الخانق.

فانكفأ طاهو وقال: مولاي. لا أنفي عن نفسي التشاؤم وسوء الظن، ولكن لا يذهب بي الحدس إلى هذا الفرض الكبير.

فضرب الملك الأرض بقدمه وقال وهو يتميز من الغيظ والحنق: لماذا جاء هذا الوفد اللعين؟ .. بل كيف جاء اليوم؟ .. واليوم بالذات؟

فقال سوفخاتب، وكان غارقا في التفكير والأحزان: ترى هل هي مصادفة حزينة غريبة؟

فقال الملك في دهشة مروعة: مصادفة .. كلا .. كلا. هي الخيانة اللئيمة، أكاد ألمح وجها يستتر بالإطراق والدهاء. كلا أيها الوزير لم يجئ القوم مصادفة لكنهم دفعوا إلى هنا عمدا ليقولوا سلاما إذا ما قلت أنا حربا، وهكذا وجه إلي عدوي ضربة شديدة، وهو ماثل بين يدي يعلن الولاء.

فامتقع وجه طاهو ولاح في وجهه الحزن، ولم يكابر سوفخاتب فأطرق يائسا وكأنه يحادث نفسه: إذا كانت خيانة فمن الخائن؟

فقال الملك وهو يلوح بقبضته في الهواء: نعم .. من الخائن؟ هل هنالك معضلة لا تحل؟ كلا .. أنا لا أخون نفسي، ولا يخون عهدي سوفخاتب ولا طاهو، ولا تخونني رادوبيس، فلم يبق إلا هذا الرسول الشقي .. وا أسفاه! لقد خدعت رادوبيس.

فبرقت عينا طاهو وقال: سأسوقه إلى هنا وأنتزع من فمه كلمة الحق.

صفحة غير معروفة