90

رادوبيس

تصانيف

مولاي .. يؤسفني أن أرفع إلى مسامع ذاتكم المقدسة أنباء محزنة، عن حوادث غدر شائنة، وقعت في أملاك التاج المتاخمة لحدود النوبة الجنوبية، وكنت يا مولاي - اطمئنانا مني إلى المعاهدة التي عقدت بين مصر وقبائل المعصايو، وما أعقب عقدها مباشرة من شمول الطمأنينة وتوطيد الأمن - كنت أمرت بسحب كثير من الحاميات الموزعة في الصحراء إلى قواعدها الأصلية. وجاءني اليوم ضابط من رجال الحاميات وأخبرني بأن زعماء القبائل شقوا عصا الطاعة وحنثوا بيمينهم، وانقضوا خلسة بليل على ثكنات الحاميات، وأعملوا فيها التقتيل الوحشي. وقد قاوم الجنود مقاومة اليأس، قوات تفوقهم مائة مرة أو يزيد، حتى سقطوا عن آخرهم في ميدان الاستبسال. واجتاحت القبائل البلاد جميعا، واتجهت نحو الشمال إلى بلاد النوبة، فرأيت من الحكمة ألا أفرط فيما لدي من قوات محدودة، وأن أوجه همي إلى تحصين الاستحكامات والقلاع، للتمكن من صد العدو الزاحف، ولن تصل مولاي رسالتي حتى تكون جنودنا قد اشتبكت مع طلائع المهاجمين، وإني في انتظار أمر مولاي سأظل على رأس جنودي أقاتل في سبيل مولاي فرعون، ووطني مصر.»

وانتهى الرسول من تلاوة الرسالة، وظل صوته يدوي في كثير من القلوب، أما الحكام فقد اتقدت أعينهم، وتطاير منها الشرر، وسرت في صفوفهم حركة اضطراب عنيف، وأما الكهنة فقد تقطبت جباههم وجمدت نظراتهم، وانقلبوا كتماثيل جامدة في معبد صامت.

وصمت فرعون هنيهة حتى بلغ التأثر أشده، ثم قال: هذه هي الرسالة التي دعوتكم للمشاورة فيها.

وكان حاكم طيبة على رأس المتحمسين، فقام واقفا وأحنى رأسه تحية، وقال: مولاي .. إنها رسالة خطيرة حقا، والجواب الواحد عليها هو الدعوة إلى التعبئة.

ولاقت كلمته ارتياحا في نفوس الحكام، فقام حاكم أمبوس وقال: نعم الرأي يا مولاي ! فالجواب الأوحد هو التعبئة السريعة، كيف لا ووراء الحدود الجنوبية إخوان لنا بواسل أوقعهم العدو في ضيق؟ .. وإنهم لثابتون، فلا ينبغي أن نخذلهم، أو نبطئ عليهم.

وكان آني يفكر في العواقب التي تمس واجباته، فقال: إذا اجتاح أولئك الهمج بلاد النوبة هددوا الحدود بلا شك.

وكان حاكم طيبة على رأس المتحمسين، وقد ذكر رأيا قديما له طالما تمنى تحقيقه يوما، فقال: كان رأيي دائما يا مولاي أن تحتفظ المملكة بجيش دائم كبير، يكفل لفرعون القيام بتبعاته في الدفاع عن سلامة الوطن وممتلكاته فيما وراء الحدود.

واشتد الحماس في جناح جميع القواد، ونادى كثير منهم بالتعبئة، وهتف آخرون للأمير كارفنرو ولحامية بلاد النوبة. واشتد التأثر ببعض الحكام، فقالوا للملك: مولانا .. لن يطيب لنا الاحتفال بالعيد، ووراءنا إخوان بواسل يتهددهم الموت. إيذن لنا في الرحيل لنحشد الجنود.

وكان فرعون ملازما الصمت ليسمع ما عسى أن يقول الكهنة، وكان هؤلاء لائذين بالصمت ريثما تهدأ النفوس، فلما أن سكت الحكام .. قام كاهن بتاح الأكبر وقال بهدوء غريب: هل يأذن لي مولاي في أن أوجه إلى رسول سمو الأمير كارفنرو سؤالا؟

فقال الملك بغرابة: لك ما تريد أيها الكاهن الأكبر.

صفحة غير معروفة