79

رادوبيس

تصانيف

فقال الملك ضاحكا: لشد ما تحاذرين يا رادوبيس! ولكن اعلمي أني لا آمن نفسي على شيء لا آمنهما عليه.

فقالت: إن حذري يا مولاي لا يرتقي لإنسان تثق فيه هذه الثقة.

ولكنها ذكرت بالرغم منها طاهو في ساعة وداعه الأخير، ودوى في أذنيها صوته الأجش، وهو يهدر غاضبا حانقا يائسا، وتساءلت: ترى هل ما يزال يعلق بنفسه شيء؟!

ولكن الوساوس لم تجد فرصة للعبث بقلبها؛ لأنها كانت تنسى نفسها بين يدي حبيبها. •••

وجاء في الصباح الرسول بنامون بن يسار متلفعا بعباءته، غارقا في القلنسوة حتى الأذنين، وكان خداه متوردين، وعيناه لامعتين بنور فرح سماوي .. فسجد بين يديها في صمت وخشوع، وقبل حاشية ثوبها في عبادة، فداعبت رأسه بأناملها، وقالت له بحنو: لن أنسى يا بنامون أنك لأجلي هجرت الراحة والسكينة.

فرفع إليها وجهه الجميل البريء، وقال بصوت متهدج: في سبيلك يهون كل شاق، فلتعني الآلهة على تحمل ألم الفراق.

فقالت له مبتسمة: ستعود سعيدا ناضرا، وستنسى في أفراح المستقبل أحزان الماضي جميعا.

فتنهد قائلا: طوبى لمن يحمل في قلبه حلما سعيدا يؤمن وحدته، ويرطب جفاف طريقه.

فابتسمت له ابتسامة مشرقة، وأمسكت بيدها الرسالة المطوية وسلمتها إليه وقالت: لا أوصيك بالحذر .. أين تودعها؟

فقال: على قلبي يا مولاتي تحت منطقتي.

صفحة غير معروفة