فتورد خداه وقال: أبلغ الثامنة عشرة في مسرى القادم. - أراك تبالغ في التقدير.
فقال الشاب بإخلاص: كلا يا سيدتي، إن ما أقول هو الحق. - يا لك من طفل يا بنامون!
واختلجت عيناه الواسعتان العسليتان قلقا، وكأنه خشي أن تعرض عنه لحداثة سنه. وقرأت مخاوفه، فقالت مبتسمة: لا تقلق؛ فإني أعلم أن هبة المثال في يده لا في عمره.
فقال بحماس: لقد شهد لي أستاذي الفنان الكبير هنفر. - هل سبق أن قمت بعمل هام؟ - نعم يا سيدتي، زخرفت جانبا من الحجرة الصيفية بقصر السيد آني حاكم بيجة.
فقالت: أنت طفل نابغ يا بنامون.
فتورد خداه، ولمعت عيناه بنور الفرح، وغمرته سعادة دافقة، ونادت رادوبيس شيث، وأرتها أن تذهب به إلى الحجرة الصيفية .. وتردد الشاب قليلا قبل أن يتبع الجارية، وقال: ينبغي أن تفرغي لي كل يوم .. في أي وقت تشائين.
فقالت: لقد ألفت نفسي أمثال هذه الواجبات .. هل تنحت لي صورة كاملة؟ - أو نصفية، وربما اكتفيت بتصوير الوجه، وعلى أية حال هذا يتبع الصورة العامة للزخرف.
قال ذلك، وأحنى رأسه، وسار على أثر شيث، وذكرت المرأة المثال هنفر، وقالت لنفسها في سخرية: هل كان يدور له بخلد، أن القصر الذي سألها أن تفتحه لتلميذه سيحرم عليه هو دخوله؟ ..
وأحست بارتياح إلى الأثر الذي تركه الشاب الساذج في نفسها، ولعله أثار في قلبها عاطفة جديدة لم تدب بها الحياة من قبل، هي عاطفة الأمومة .. وسرعان ما أشفقت عليه من عينيها وسحرهما الذي لم ينج منه إنسان، ودعت الرب مخلصة أن يحفظ له طمأنينته وصفاءه، ويجعله بمنجاة من دواعي الألم واليأس.
بنامون
صفحة غير معروفة