فارتجف جسمها من شدة صوته .. والتهب الغضب بقلبها، وحدجته بنظرة حقد شديدة، ولكنها كظمت ما بنفسها لتحصل منه على ما تريد، وسألته ببرود: أترى أنه كذلك؟ - أرى أنك تتغابين يا رادوبيس. - كم أنك ظالم .. هب أن الصندل سقط في حجر فرعون، فهل تراه قاتلي لذلك؟ - كلا، ولكنه قلب الصندل بين يديه، وتساءل عمن عسى أن تكون صاحبته.
فخفق قلب الغانية بشدة وسألته: وهل وجد الجواب؟
فأظلمت عيناه، وقال بصوت متهدج: كان هناك إنسان يتربص بي، جعلته الأقدار صديقا عدوا وعدوا صديقا، فانتهز الفرصة السانحة، وطعنني طعنة نجلاء، فذكرك عند فرعون ذكرا جميلا مغريا، قدح الرغبة في قلبه، وأهاج الشهوة في صدره. - سوفخاتب؟! - هو بعينه ذاك الصديق العدو، وقد عبث الإغراء بقلب الملك الشاب. - وماذا يريد؟
فعقد طاهو ذراعيه على صدره، وقال بشدة: ليس فرعون بالإنسان الذي يرغب في شيء ويعز عليه، وهو إذا هوى شيئا يعرف كيف يستأثر به.
وساد الصمت مرة أخرى، ووقعت المرأة فريسة عواطف مضطرمة، وجثم الكابوس على صدر الرجل، واشتد به الحنق لصمتها، ولأنها لم تفزع ولم ترتعب، فقال لها بغيظ: ألا ترين أن حريتك مهددة بالأسر؟ حريتك يا رادوبيس التي تحرصين عليها، ولا تفرطين فيها. حريتك التي دمرت قلوبا وأهلكت نفوسا، وجعلت اللوعة والحسرة واليأس أوبئة تفتك بأهل بيجة جميعا، لماذا لا تفزعين إلى الفرار بها؟
واستاءت لوصفه هذا لحريتها، وقالت له بسخط: أتقذفني بهذا الوصف الذي تقشعر منه الأبدان، وكل ذنبي أني لم أستبح نفسي للرياء، وأقول لإنسان كذبا إني أحبه؟ - ولماذا لا تحبين يا رادوبيس؟ لقد أحب طاهو الجندي الجبار الذي خاض غمار الحرب في الجنوب والشمال، وتربى على ظهور العجلات، فلماذا لا تحبين أنت؟!
فابتسمت ابتسامة غامضة، وتساءلت: ترى هل أملك جوابا على سؤالك؟ - لست أبالي هذا الآن، فما لهذا جئت .. أسألك ماذا أنت فاعلة؟
فقالت بهدوء واستسلام عجيب: لست أدري.
فاضطرمت عيناه كجمرتين، والتهمتاها بحنق، وأحس برغبة جنونية في تحطيم رأسها. وحدث أن نظرت إليه فتنفس تنفسا عميقا، وقال: حسبتك أشد حماسا لحريتك. - وما عسى أن أفعل؟
فضرب يدا بيد، وقال: تفرين يا رادوبيس! تفرين قبل أن تحملي إلى قصر الحاكم جارية من الجواري، وتودعين حجرة من حجراته التي لا عداد لها، ثم تعيشين هنالك في وحدة وعبودية، تنتظرين نوبتك مرة كل عام، تعيشين ما بقي من حياتك في جنة حزينة يطوف بها سجن كئيب .. هل خلقت رادوبيس لمثل هذه الحياة؟!
صفحة غير معروفة