ولم يعرفه ولم يستدل عليه ، فيكونوا هم اليوم أهدى منه يومئذ في معرفة وصيهم سبيلا ، أو يكون الله أقام لهم في معرفة الأوصياء ولم يقم له دليلا ، أو يزعمون أن قد لقي وصي عيسى صلى الله عليه ورآه ، (1) وكان مهتديا يومئذ بهداه ، من قبل مجيء رسالة الله إليه ، وقبل تنزيله سبحانه لوحيه عليه ، فيزعمون أن قد كان يومئذ مهتديا غير ضال ، وبريا قبل نبوته من جهل الجهال ، وعالما بجميع الإيمان ، فيكذبوا بذلك آيا من الفرقان ، منها قوله سبحانه: ( ووجدك ضالا فهدى (7)) [الليل : 15]. وقوله سبحانه في آية أخرى : ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم (52)) [الشورى : 52].
وقوله سبحانه : ( قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون (16)) [يونس : 16]. فهو صلى الله عليه وعلى آله لم يكن يدري ما الإيمان حتى أدري ، ولا يعلم عليه السلام ما الهدى حتى علم وهدي ، وبعض أئمتهم عندهم فقد علم ما الهدى والإيمان وهو وليد طفل ، ورسول الله صلى الله عليه لم يكن يعلمه حتى علمه الله إياه وهو رجل كهل.
فأي شنعة أشنع ، أو وحشة أفظع ، من هذا ومثله ، وما يلحق فيه بأهله ، من مزايلة كل حق ، ومخالفة كل صدق؟! فإن هم أبوا ما وصفنا لتفاحشه ، ولما يدخله من شنائع أواحشه (2)، فزعموا أنه لم يكن في الأمم ، لا في العرب منها ولا في العجم ، قبل بعثة النبي محمد عليه السلام ، وصي يعلم يومئذ ولا إمام ، ظل (3) رسول الله صلى الله عليه بجهله ، ولا أصاب الهدى يومئذ من قبله ، حتى آتاه الله هداه وأرشده ، وبصره سبيل الهدى وقصده ، كما فعل بأبيه إبراهيم صلى الله عليه فيما آتاه قبله من رشده ، ودله عليه من الهدى وقصده ، إذ يقول سبحانه : ( * ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل
صفحة ٥٢٧