وليعلم من فهم منهم ، أو من غيرهم ، أن (1) فيما ذكر الله لهم من المأكل ومثله ، آية عجيبة ظاهرة لمن يفهمها بعقله ، تدل على أنه لم ينزلها إلا علام الغيوب ، الذي لا يخفى عليه شيء من سرائر القلوب ، لا سيما في النصارى (2) من أهل الكتاب ، وما هم عليه من الحرص والكد والاكتساب ، فإنا لم نر أمة من أهل الكتاب أرغب في المأكل والمشرب ، واكتناز الفضة والذهب ، منهم خاصة دون غيرهم ، معلوم ذلك من غنيهم وفقيرهم ، ولذلك ما يقول الله سبحانه فيهم ، وفي بيان ما قلنا به من ذلك عليهم : ( إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) (34) [التوبة : 34]. فرهبانهم إلا القليل وشمامستهم ، (3) تعولهم أبدا أقوياؤهم وضعفتهم. وليس من الرهبان ولا الشمامسة من تكلف في مطعمه ولا مشربه ولا كسوته ولا مصلحته كلفة ، ومن كفاهم ذلك من عوامهم وضعفتهم فقد يرى ذلك قربة له عند من يعبدون وزلفة.
فأول ما يقال إن شاء الله لمن أراد الانصاف لنفسه منهم ، وعند من تجري المجادلة فيما ادعوا من الكتب بين أحد من أهل التوحيد وبينهم (4)، يا هؤلاء : أنصفونا فيما ادعيتم من شهادات الكتب من أنفسكم ، فلا تدعوا فيها ولا تأولوا فيها تأويلا ملتبسا يزيدكم لبسا على لبسكم ، فإن شئتم تأولتم الكتب وتأولنا ، على ما قد قلتم وقلنا ، ولنا من التأويل. مثل مالكم ، وقولنا فيه يخالف أقوالكم. فإن كان ذلك أحب إليكم ، فافهموا فيه ما يدخل عليكم ، فلسنا ندخل عليكم فيه ، إلا ما نجمع نحن وأنتم عليه.
أجمعنا نحن وأنتم جميعا كلنا ، قولكم مما قلنا به من ذلك قولنا ، على أن أصدق الشهادات كلها وأعدلها ، خمس شهادات يلزمنا وإياكم أن نقبلها :
صفحة ٤٢١