الأولى : الملكانية ، وهم أقدم فرق النصارى مذهبا ، وقد قالوا بأن الله تعالى ، واحد بالجوهرية ثلاثة بالأقنومية ، وان الاتحاد لعيسى عليه السلام ، ما كان من حيث أنه انسان معين ، بل إنما وقع الاتحاد بالانسان الكلي.
الثانية : اليعقوبية ، وهم القائلون بأن الاتحاد إنما كان من حيث الذات ، حتى قالوا : المسيح جوهر من جوهرين ، وأقنوم من أقنومين ، ناسوتي ولاهوتي ، وأنهما امتزجا حتى صار منهما شيء ثالث ، كما تمتزج النار بالفحمة ، فيصير منهما شيء ثالث وهو الجمرة.
الثالثة : النسطورية ، وهم القائلون بأن الاتحاد إنما كان من جهة المشيئة ، وقال بعضهم معنى الاتحاد هو :
إن الكلمة جعلته هيكلا وادرعته ادراعا ، وكذلك قالوا : المسيح جوهران أقنومان.
الرابعة : هؤلاء الأرمنوسية ، فإنهم زعموا أن عيسى عليه السلام ، كان عبد الله تعالى اصطفاه ، ولكنه اتخذه ابنا له على سبيل التشريف ، هذا ما ذكره الإمام يحيى عليه السلام من بيان فرقهم.
قال : واشتهر على ألسنة المتكلمين أن النصارى يقولون : إن الله واحد بالجوهرية ثلاثة بالأقنومية. فأما وصفهم الله تعالى بالجوهرية ، فالخلاف فيه ليس إلا من جهة اللفظ ، لأنهم متفقون على أن الله ليس بمتحيز ، وأنه تعالى منزه عن المكان والجهة ، ومعنى وصفه بكونه جوهرا عندهم ، أنه قائم بنفسه ليس بمفتقر إلى غيره.
وأما الأقنوم فهو : اسم سرياني. ومعنى الأقنوم عندهم : الشيء المتفرد بالعدد. والأقانيم عندهم ثلاثة : أقنوم الأب ، وهذا ذات الباري تعالى. وأقنوم الابن ، وهو الكلمة. وأقنوم روح القدس ، وهو الحياة. وقد تخبط الناس في معرفة مقاصدهم ، بهذه الأقانيم ، فذهب بعضهم إلى أن هذه الأقانيم ذوات قائمة بأنفسها ، وكل أقنوم منها مستقل بنفسه ، وذهب آخرون منهم إلى أنها أشخاص. وقال قائلون : إنها وجوه وصفات ، إلى غير ذلك من التفرق والخلاف.
قال : وكلامهم في هذه الأقانيم في غاية الخبط والاضطراب ، لا تستقر له قاعدة ، ولا يعقل له حقيقة.
قال : واعلم : أن الأشبه عند التحقيق أن مراد النصارى من هذه الأقانيم التي زعموها هو هذه المعاني التي يثبتها هؤلاء الأشعرية ، وبيانه أن النصارى يعتبرون في تقرير مذهبهم وقولهم ، بهذه الأقانيم شرائط ثلاث :
الأولى : وحدة الذات ، فإن عندهم أن الله تعالى ، واحد بالجوهرية.
الثانية : أن الصحيح من مذهبهم أن هذه الأقانيم عندهم ذوات مستقلة بأنفسها ، ليست من قبل الأحوال والصفات ، بل ذوات على حيالها منفردة.
الثالثة : أن هذه الأقانيم متعددة في أنفسها ، وأعدادها ثلاثة كما سبق ، وهذه الشرائط الثلاث لا توجد
صفحة ٤٠٦